فصل: فَصْلٌ (في شروط الوضوء)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


بَابُ‏:‏ التَّسَوُّكِ

مَصْدَرُ تَسَوَّكَ إذَا دَلَكَ فَمَهُ بِالْعُودِ، وَالسِّوَاكُ بِمَعْنَاهُ، وَالْعُودُ يُسْتَاكُ بِهِ‏.‏

يُقَالُ‏:‏ جَاءَتْ الْإِبِلُ تَسْتَاكُ إذَا كَانَتْ أَعْنَاقُهَا تَضْطَرِبُ مِنْ الْهُزَالِ‏.‏

‏(‏وَكَوْنُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ السِّوَاكِ ‏(‏عَرْضًا‏)‏ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَسْنَانِهِ طُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى فَمِهِ‏.‏

لِحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏كَانَ يَسْتَاكُ عَرْضًا‏}‏ وَكَوْنُهُ ‏(‏بِيُسْرَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِيَدِهِ الْيُسْرَى‏.‏

نَصًّا كَاسْتِنْثَارِهِ ‏(‏عَلَى أَسْنَانٍ‏)‏ جَمْعُ سِنٍّ بِكَسْرِ السِّينِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏لِثَةٍ‏)‏ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مُخَفَّفَةً ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏لِسَانٍ‏)‏ فَإِنْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ اسْتَاكَ عَلَى لِثَتِهِ وَلِسَانِهِ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَكَذَا لَوْ قُطِعَ لِسَانُهُ اسْتَاكَ عَلَى أَسْنَانِهِ وَلِثَتِهِ، لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏(‏بِعُودٍ رَطْبٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَيِّنٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ، كَالْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ، لَكَانَ أَوْلَى‏.‏

فَيَشْمَلُ الْيَابِسَ الْمُنْدِي ‏(‏يُنْقِي‏)‏ الْفَمَ ‏(‏لَا يَجْرَحُهُ وَلَا يَضُرُّهُ وَلَا يَتَفَتَّتُ‏)‏ فِي الْفَمِ‏.‏

‏(‏وَيُكْرَهُ‏)‏ لِلتَّسَوُّكِ ‏(‏بِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرِ الْعُودِ اللَّيِّنِ الْمُنَقِّي الَّذِي لَا يَجْرَحُ وَلَا يَضُرُّ‏.‏

وَلَا يَتَفَتَّتُ كَالْيَابِسِ‏.‏

وَاَلَّذِي يَجْرَحُ، كَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ، وَاَلَّذِي يَضُرُّ كَالرَّيْحَانِ وَالرُّمَّانِ، وَمَا يَتَفَتَّتُ فِي الْفَمِ‏.‏

وَلَا يَتَخَلَّلُ أَيْضًا بِرُمَّانٍ، وَلَا رَيْحَانٍ؛ لِأَنَّهُ يُحَرِّكُ عِرْقَ الْجُذَامِ كَمَا فِي الْخَبَرِ، وَلَا بِالْقَصَبِ‏.‏

قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَلَا بِمَا يَجْهَلُهُ، لِئَلَّا يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ ‏(‏مَسْنُونٌ‏)‏ خَبَرٌ عَنْ التَّسَوُّكِ وَمَا عَطْفٌ عَلَيْهِ ‏(‏مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَالْحَالَاتِ‏.‏

لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏{‏السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ‏}‏ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو خُزَيْمَةَ وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا‏.‏

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُمَرَ‏.‏

وَرَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏كَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ‏}‏‏.‏

‏(‏إلَّا الصَّائِمُ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَيُكْرَهُ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ إنَّمَا يَظْهَرُ غَالِبًا بَعْدَ الزَّوَالِ؛ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ مُسْتَطَابٌ شَرْعًا‏.‏

فَتُسْتَحَبُّ إدَامَتُهُ كَدَمِ الشَّهِيدِ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَيُبَاحُ‏)‏ التَّسَوُّكُ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الزَّوَالِ لِصَائِمٍ ‏(‏بِعُودٍ رَطْبٍ وَيَابِسٍ‏)‏ مُنَدَّى يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ قَبْلَهُ‏.‏

لِقَوْلِ عَامِر بْنِ رَبِيعَةَ ‏{‏رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا‏.‏

وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏مِنْ خَيْرِ خِصَالِ الصَّائِمِ‏:‏ السِّوَاكُ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ‏.‏

وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مَحْمُولَانِ عَلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ، وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ‏}‏ وَالرَّطْبُ مَظِنَّةُ التَّحَلُّلِ مِنْهُ، فَلِذَلِكَ أُبِيحَ السِّوَاكُ بِهِ، بِخِلَافِ الْيَابِسِ فَ ‏(‏يُسْتَحَبُّ‏)‏ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَلَمْ يُصِبْ السُّنَّةَ مَنْ اسْتَاكَ بِغَيْرِ عُودٍ‏)‏ كَمَنْ اسْتَاكَ بِأُصْبُعِهِ أَوْ خِرْقَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْقَاءُ حُصُولَهُ بِالْعُودِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ‏:‏ التَّسَاوِي بَيْنَ جَمِيعِ الْعِيدَانِ، غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاؤُهُ‏.‏

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ وَهُوَ الْمَذْهَبُ‏.‏

وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ‏:‏ لَا يُعْدَلُ عَنْ الْأَرَاكِ وَالزَّيْتُونِ وَالْعُرْجُونِ إلَّا لِتَعَذُّرِهِ‏.‏

‏(‏وَيَتَأَكَّدُ‏)‏ اسْتِحْبَابُ السِّوَاكِ فِي خَمْسَةِ مُوَاضِعَ ‏(‏عِنْدَ صَلَاةٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ‏}‏ وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ‏.‏

وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ ‏{‏لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الْوُضُوءَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُمْ بِهِ شَقَّ أَوْ لَمْ يَشُقَّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ عِنْدَ ‏(‏انْتِبَاهٍ‏)‏ مِنْ نَوْمٍ، لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، يُقَالُ‏:‏ شَاصَهُ وَمَاصَهُ‏:‏ إذَا غَسَلَهُ، لِأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ‏:‏ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْقُدُ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَيَسْتَيْقِظُ إلَّا تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ عِنْدَ ‏(‏تَغَيُّرِ رَائِحَةِ فَمٍ‏)‏ بِمَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ السِّوَاكَ شُرِعَ لِتَطْيِيبِ الْفَمِ وَإِزَالَةِ رَائِحَتِهِ فَتَأَكَّدَ عِنْدَ تَغَيُّرِهِ ‏(‏وَ‏)‏ عِنْدَ ‏(‏وُضُوءٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ‏}‏ وَهُوَ لِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ عِنْدَ ‏(‏قِرَاءَةِ‏)‏ قُرْآنٍ، تَطْيِيبًا لِلْفَمِ، حَتَّى لَا يَتَأَذَّى الْمَلَكُ عِنْدَ تَلَقِّي الْقِرَاءَةِ مِنْهُ، وَزَادَ الزَّرْكَشِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْزِلِ، وَإِطَالَةِ السُّكُوتِ، وَخُلُوِّ الْمِعْدَةِ، مِنْ الطَّعَامِ، وَاصْفِرَارِ الْأَسْنَانِ ‏(‏وَكَانَ‏)‏ السِّوَاكُ ‏(‏وَاجِبًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا وَغَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ‏}‏‏؟‏ وَهْل الْمُرَادُ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ أَوْ النَّافِلَةُ أَوْ مَا يَعُمُّهُمَا‏؟‏ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَسِيَاقُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالْمَفْرُوضَةِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالشَّافِعِيُّ‏.‏

وَالسِّوَاكُ بِاعْتِدَالٍ يُطَيِّبُ الْفَمَ وَالنَّكْهَةَ، وَيَجْلُو الْأَسْنَانَ وَيُقَوِّيهَا، وَيَشُدُّ اللِّثَةَ، وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ، وَيَجْلُو الْبَصَرَ، وَيَمْنَعُ الْحَفْرَ، وَيَذْهَبُ بِهِ، وَيُصَحِّحُ الْمَعِدَةَ، وَيُعِينُ عَلَى الْهَضْمِ، وَيُشَهِّي الطَّعَامَ، وَيُصَفِّي الصَّوْتَ، وَيُسَهِّلُ مَجَارِيَ الْكَلَامِ، وَيُنَشِّطُ، وَيَطْرُدُ النَّوْمَ، وَيُخَفِّفُ عَنْ الرَّأْسِ وَفَمِ الْمَعِدَةِ‏.‏

‏(‏وَيُسَنُّ بُدَاءَةُ‏)‏ الْجَانِبِ ‏(‏الْأَيْمَنِ‏)‏ مِنْ فَمٍ وَبَدَنٍ ‏(‏فِي سِوَاك‏)‏ قَالَ فِي الْمُطْلِعِ وَالْإِقْنَاعِ‏:‏ مِنْ ثَنَايَاهُ إلَى أَضْرَاسِهِ، وَقَالَ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ فِي قِطْعَتِهِ عَلَى الْوَجِيزِ‏:‏ يَبْدَأُ مِنْ أَضْرَاسِ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

يُغْسَلُ مَا عَلَى السِّوَاكِ اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ، فَلَا بَأْسَ بِعَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ سِوَاكَ غَيْرِهِ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ أَيْضًا بُدَاءَةٌ بِالْأَيْمَنِ فِي ‏(‏طُهْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَطْهِيرِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏شَأْنِهِ كُلِّهِ‏)‏ كَتَرَجُّلٍ وَانْتِعَالٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ‏{‏كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏ادِّهَانٌ غِبًّا‏)‏ يَفْعَلُهُ ‏(‏يَوْمًا و‏)‏ يَتْرُكُهُ ‏(‏يَوْمًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏نَهَى عَنْ التَّرَجُّلِ إلَّا غِبًّا، وَنَهَى أَنَّ يَتَمَشَّطَ أَحَدُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ‏}‏ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ غَيْرُ الْغِبِّ‏.‏

وَالتَّرَجُّلُ‏:‏ تَسْرِيحُ الشَّعْرِ وَدَهْنُهُ‏.‏

وَظَاهِرُهُ‏:‏ أَنَّ اللِّحْيَةَ كَالرَّأْسِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِعْلَ الْأَصْلَحِ لِلْبَدَنِ، كَالْغُسْلِ بِمَاءٍ حَارٍّ بِبَلَدٍ رَطْبٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ، وَلِأَنَّهُ فِعْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَنَّ مِثْلَهُ نَوْعُ الْمَلْبَسِ وَالْمَأْكَلِ‏.‏

وَلَمَّا فَتَحُوا الْأَمْصَارَ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْكُلُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ وَيَلْبَسُ مِنْ لِبَاسِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدُوا قُوتَ الْمَدِينَةِ وَلِبَاسَهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏اكْتِحَالٌ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثًا‏)‏ بِإِثْمِدٍ مُطَيَّبٍ بِالْمِسْكِ كُلَّ لَيْلَة قَبْلَ النَّوْمِ‏.‏

لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ‏.‏

وَكَانَ يَكْتَحِلُ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

يُسَنُّ اتِّخَاذُ الشَّعْرِ، قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ هُوَ سُنَّةٌ، وَلَوْ نَقْوَى عَلَيْهِ اتَّخَذْنَاهُ، وَلَكِنْ لَهُ كُلْفَةٌ وَمُؤْنَةٌ، وَيَغْسِلُهُ وَيُسَرِّحُهُ وَيَفْرُقُهُ، وَيَكُونُ إلَى أُذُنَيْهِ، وَيَنْتَهِي إلَى مَنْكِبَيْهِ، كَشَعْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعْفِي لِحْيَتَهُ وَيَحْرُمُ حَلْقُهَا، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَلَا يُكْرَهُ أَخْذ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ وَمَا تَحْتَ حَلْقِهِ، وَأَخَذَ أَحْمَدُ مِنْ حَاجِبَيْهِ وَعَارِضَيْهِ، نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏نَظَرٌ فِي مِرْآةٍ‏)‏ لِيُزِيلَ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بِوَجْهِهِ مِنْ أَذًى وَيَفْطُنُ إلَى نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي خَلْقِهِ وَيَقُولُ مَا وَرَدَ، وَمِنْهُ ‏"‏ اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْت خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي، وَحَرِّمْ وَجْهِي عَلَى النَّارِ ‏"‏ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏تَطَيُّبٌ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا ‏{‏أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ‏:‏ الْحَيَاءُ، وَالتَّعَطُّرُ، وَالسِّوَاكُ، وَالنِّكَاحُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَيُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَعَكْسُهُ لِلْمَرْأَةِ ‏(‏وَيَجِبُ خِتَانُ ذَكَرٍ‏)‏ بِأَخْذِ جِلْدَةِ الْحَشَفَةِ، وَقَالَ جَمْعٌ‏:‏ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَكْثَرِهَا جَازَ ‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ خِتَانُ ‏(‏أُنْثَى‏)‏ بِأَخْذِ جِلْدَةٍ فَوْقَ مَحَلِّ الْإِيلَاجِ تُشْبِه عُرْفَ الدِّيكِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُؤْخَذَ كُلُّهَا نَصًّا، لِحَدِيثِ ‏{‏اخْفِضِي وَلَا تُنْهِكِي، فَإِنَّهُ أَنْضَرُ لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْد الزَّوْجِ‏}‏‏.‏

رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا، وَلِلزَّوْجِ جَبْرُ زَوْجَتِهِ الْمُسْلِمَةِ عَلَيْهِ، وَدَلِيلُ وُجُوبِهِ‏:‏ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ أَسْلَمَ ‏{‏أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

وَفِي حَدِيثٍ ‏{‏اُخْتُتِنَ إبْرَاهِيمُ بَعْد مَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا‏}‏ وَلِأَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ‏}‏ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُخْتَتَنَّ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُشَدِّدُ فِي أَمْرِهِ، حَتَّى قَدْ رُوِيَ عَنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا حَجَّ لَهُ وَلَا صَلَاةَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ خِتَانُ ‏(‏قُبُلَيْ خُنْثَى‏)‏ مُشْكِلٍ احْتِيَاطًا ‏(‏عِنْدَ بُلُوغٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْسَ مُكَلَّفًا ‏(‏مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ‏)‏ تَلَفًا أَوْ ضَرَرًا، فَإِنْ خَافَ سَقَطَ وُجُوبُهُ، كَمَا لَوْ خَافَ ذَلِكَ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي نَحْوِ الْوُضُوءِ، ‏(‏وَيُبَاحُ‏)‏ الْخِتَانُ ‏(‏إذَنْ‏)‏ أَيْ‏:‏ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْخِتَانُ ‏(‏زَمَنَ صِغَرٍ أَفْضَلُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْبُرْءِ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ خِتَانٌ ‏(‏فِي سَابِعِ‏)‏ الْوِلَادَةِ، لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ ‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ خِتَانٌ ‏(‏مِنْ وِلَادَةٍ إلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّابِعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَلَمْ يَذْكُرْ كَرَاهَتَهُ الْأَكْثَرُ ‏(‏وَسُنَّ اسْتِحْدَادٌ‏)‏ اسْتِفْعَالٌ مِنْ التَّحْدِيدِ، أَيْ‏:‏ حَلْقُ الْعَانَةِ وَلَهُ قَصُّهُ وَإِزَالَتُهُ بِمَا شَاءَ، وَالتَّنْوِيرُ فِي الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا، فَعَلَهُ أَحْمَدُ، وَكَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ بِإِسْنَادِ ثِقَاتٍ‏.‏

وَأُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏حَفُّ شَارِبٍ‏)‏ أَوْ قَصُّ طَرَفِهِ‏.‏

وَحَفُّهُ أَوْلَى نَصًّا‏.‏

وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي قَصِّهِ‏.‏

وَمِنْهُ السَّبَلَتَانِ وَهُمَا طَرَفَاهُ‏.‏

لِحَدِيثِ أَحْمَدَ ‏{‏قُصُّوا سَبَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏تَقْلِيمُ ظُفْرٍ‏)‏ مُخَالِفًا وَغَسْلُهَا بَعْدَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَبْلَ الزَّوَالِ وَالصَّلَاةِ، يَبْدَأُ بِخَنْصَرِ الْيُمْنَى، ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ الْإِبْهَامِ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ، ثُمَّ السَّبَّابَةِ، ثُمَّ إبْهَامِ الْيُسْرَى، ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ الْخِنْصَرِ، ثُمَّ السَّبَّابَةِ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ وَسُنَّ أَنْ لَا يَحِيفَ عَلَيْهَا فِي الْغَزْوِ وَالسَّفَرِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏نَتْفُ إبِطٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏الْفِطْرَةُ خَمْسٌ‏:‏ الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ مَا أَخَذَهُ مِنْ أَظْفَارِهِ أَوْ شَعْرِهِ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ‏.‏

وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ سِنْدِيٍّ‏:‏ حَلْقُ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمُ الظُّفْرِ، كَمْ يُتْرَكُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَرْبَعِينَ لِلْحَدِيثِ‏.‏

فَأَمَّا الشَّارِبُ فَفِي كُلِّ جُمَعٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَحْشًا‏.‏

‏(‏وَكُرِهَ حَلْقُ الْقَفَا لِغَيْرِ حِجَامَةٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَقُرُوحٍ، أَيْ‏:‏ مُنْفَرِدًا عَنْ الرَّأْسِ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ‏:‏ هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ‏.‏

وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏الْقَزَعُ‏.‏

وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَتَرْكُ بَعْضِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏{‏نَهَى عَنْ الْقَزَعِ وَقَالَ احْلِقْهُ كُلُّهُ أَوْ دَعْهُ كُلُّهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

وَيُكْرَهُ حَلْقُ رَأْسِ امْرَأَةٍ وَقَصُّهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ‏.‏

لَا حَلْقُ رَأْسِ ذَكَرٍ كَقَصِّهِ، وَحَرَّمَ بَعْضُهُمْ حَلْقَهُ عَلَى مُرِيدٍ لِشَيْخِهِ؛ لِأَنَّهُ ذُلٌّ وَخُضُوعٌ لِغَيْرِ اللَّهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ أَيْضًا ‏(‏نَتْفُ شَيْبٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ‏:‏ ‏{‏نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ‏.‏

وَقَالَ إنَّهُ نُورُ الْإِسْلَامِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ أَيْضًا ‏(‏تَغْيِيرُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّيْبِ ‏(‏بِسَوَادٍ‏)‏ لِحَدِيثِ الصِّدِّيقِ ‏{‏أَنَّهُ جَاءَ بِأَبِيهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا‏.‏

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ غَيِّرُوهُمَا‏.‏

وَجَنِّبُوهُمَا السَّوَادَ‏}‏ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي غَيْرِ حَرْبٍ ‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ أَيْضًا ‏(‏ثَقْبُ أُذُنِ صَبِيٍّ‏)‏ لَا جَارِيَةٍ نَصًّا ‏(‏وَيَحْرُمُ نَمْصٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ نَتْفُ الشَّعْرِ مِنْ الْوَجْهِ ‏(‏وَوَشْرٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَرْدُ الْأَسْنَانِ‏:‏ لِتَحْدِيدٍ وَتَفَلُّجٍ وَتَحَسُّنٍ ‏(‏وَ وَشْمٌ‏)‏ أَيْ غَرْزُ الْجِلْدِ بِإِبْرَةٍ ثُمَّ حَشْوُهُ كُحْلًا ‏(‏وَوَصْلُ‏)‏ شَعْرٍ بِشَعْرٍ‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏بِشَعْرِ بَهِيمَةٍ أَوْ بِإِذْنِ زَوْجٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ، وَالْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَةَ‏}‏‏.‏

وَفِي خَبَرٍ آخَرَ ‏{‏لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ‏}‏ ذَكَرَهُمَا فِي الشَّرْح، أَيْ‏:‏ الْفَاعِلَةَ ذَلِكَ وَالْمَفْعُولَ بِهَا بِإِذْنِهَا‏.‏

وَفُهِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّ وَصْلَ الشَّعْرِ بِغَيْرِهِ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَدْلِيسَ فِيهِ، بَلْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ تَحْسِينِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ وَيُكْرَه مَا زَادَ عَمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ‏)‏ وَصْلِ الشَّعْرِ بِشَعْرٍ ‏(‏طَاهِرٍ‏)‏ لَا بِنَجَسٍ وَلِلْمَرْأَةِ حَلْقُ وَجْهِهَا، وَحَفُّهُ وَتَحْسِينُهُ بِتَحْمِيرِهِ وَنَحْوِهِ‏.‏

وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ لِرَجُلٍ وَيُكْرَه لَهُ التَّحْذِيفُ، وَهُوَ إرْسَالُ الشَّعْرِ الَّذِي بَيْن الْعِذَارِ وَالنَّزَعَةِ لَا لَهَا؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَرِهَهُ رَوَاهُ الْخَلَّالُ‏.‏

وَيُكْرَهُ النَّقْشُ وَالتَّطْرِيفُ‏.‏

قَالَ فِي الْإِفْصَاحِ‏:‏ كَرِهَ الْعُلَمَاءُ أَنْ تُسَوِّدَ شَيْئًا، بَلْ تُخَضِّبُ بِأَحْمَرَ‏.‏

وَكَرِهُوا النَّقْشَ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ بَلْ تَغْمِسُ يَدَهَا غَمْسًا‏.‏

وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْحِجَامَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَرْبِعَاءِ بِلَا حَاجَةٍ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ هُوَ الْحَجْزُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ‏.‏

وَمِنْهُ فَصْلُ الرَّبِيعِ يَحْجِزُ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ‏.‏

وَهُوَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ‏:‏ حَاجِزٌ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَسَائِلِ وَأَنْوَاعِهَا‏.‏

‏(‏سُنَنُ وُضُوءٍ‏)‏ جَمْعُ سُنَّةٍ‏.‏

وَهُوَ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ ‏(‏اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ‏)‏ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي كُلِّ طَاعَةٍ إلَّا لِدَلِيلٍ ‏(‏وَسِوَاكٌ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَيَكُونُ فِيهِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ ‏(‏وَغَسْلُ يَدَيْ غَيْرِ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٍ لِوُضُوءٍ‏)‏ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرَهُ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فِي وَصْفِهِمْ وُضُوءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْظِيفًا لَهُمَا احْتِيَاطًا‏.‏

لِنَقْلِهِمَا الْمَاءَ إلَى الْأَعْضَاءِ ‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ غَسْلُهُمَا ‏(‏لِذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٍ لِوُضُوءٍ ‏(‏تَعَبُّدًا‏)‏ لِحَدِيثِ ‏"‏ إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ ‏"‏ وَتَقَدَّمَ ‏(‏ثَلَاثٌ‏)‏ فَلَا يُجْزِئُ مَرَّةً وَلَا مَرَّتَيْنِ ‏(‏بِنِيَّةٍ شُرِطَتْ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَتَسْمِيَةٍ‏)‏ وَاجِبَةٍ مَعَ الذِّكْرِ‏.‏

كَالْوُضُوءِ، وَهِيَ طَهَارَةٌ مُفْرَدَةٌ لَيْسَتْ مِنْ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوز تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ‏.‏

وَلَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ عَنْ نِيَّةِ غَسْلِهِمَا، وَغَسْلُهُمَا لِمَعْنًى فِيهِمَا‏.‏

فَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ، وَفَسَدَ الْمَاءُ‏.‏

فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا وَتَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ مِنْهُ بِالْغَمْسِ فِيهِ وَلَمْ يَنْوِ غَسْلَهُمَا ارْتَفَعَ حَدَثُهُ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ غَسْلِهِمَا‏.‏

ذَكَرَهُ فِي الشَّرْح مُلَخَّصًا ‏(‏وَيَسْقُطُ غَسْلُهُمَا‏)‏ سَهْوًا‏.‏

قُلْت‏:‏ وَكَذَا جَهْلًا‏.‏

لِحَدِيثِ ‏{‏عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ‏}‏ ‏(‏وَ‏)‏ تَسْقُطُ ‏(‏التَّسْمِيَةُ‏)‏ فِيهِ ‏(‏سَهْوًا‏)‏ كَالْوُضُوءِ وَأَوْلَى ‏(‏وَبُدَاءَةٌ‏)‏ عَطْفٌ عَلَى اسْتِقْبَالِ قِبْلَةٍ ‏(‏قَبْلَ غَسْلِ وَجْهٍ بِمَضْمَضَةٍ‏)‏ بِيَمِينِهِ ‏(‏فَاسْتِنْشَاقٍ بِيَمِينِهِ وَاسْتِنْثَارٍ ‏)‏ بِالْمُثَلَّثَةِ مِنْ النَّثْرَةِ، وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَهُوَ ‏(‏بِيَسَارِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ ‏{‏أَنَّهُ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَتَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، وَنَثَرَهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، فَفَعَلَ هَذَا ثَلَاثًا‏.‏

ثُمَّ قَالَ‏:‏ هَذَا طَهُورُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا ‏(‏وَمُبَالَغَةٍ فِيهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاقِ ‏(‏لِغَيْرِ الصَّائِمِ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ ‏{‏وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا‏}‏ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ‏.‏

وَتُكْرَهُ لِصَائِمٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْمُبَالَغَةُ بِالْغَسْلِ ‏(‏فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ مُطْلَقًا‏)‏ قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ أَيْ‏:‏ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَمَعَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ ‏(‏فَ‏)‏ الْمُبَالَغَةُ ‏(‏فِي مَضْمَضَةٍ‏:‏ إدَارَةُ الْمَاءِ بِجَمِيعِ الْفَمِ‏.‏

و‏)‏ الْمُبَالَغَةُ ‏(‏فِي اسْتِنْشَاقٍ‏:‏ جَذْبُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَاءِ ‏(‏بِنَفَسِهِ‏)‏ بِفَتْحِ الْفَاءِ ‏(‏إلَى أَقْصَى أَنْفٍ‏.‏

وَالْوَاجِبُ‏)‏ فِي الْمَضْمَضَة ‏(‏الْإِدَارَةُ‏)‏ وَلَوْ بِبَعْضِ الْفَمِ‏.‏

فَلَا يَكْفِي وَضْعُ الْمَاءِ فِيهِ، بِلَا إدَارَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْوَاجِبُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ ‏(‏جَذْبُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَاءِ ‏(‏إلَى بَاطِنِ أَنْفٍ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَقْصَاهُ أَوْ أَكْثَرَهُ ‏(‏وَلَهُ بَلْعُهُ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ الَّذِي تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ حَصَلَ، كَإِلْقَائِهِ ‏(‏لَا جَعْلُ مَضْمَضَةٍ أَوَّلًا‏)‏ أَيْ‏:‏ ابْتِدَاءٌ قَبْلَ إدَارَةٍ ‏(‏وَجُورًا، وَ‏)‏ لَا جَعْلُ ‏(‏اسْتِنْشَاقٍ‏)‏ اُبْتُدِئَ قَبْلَ جَذْبِهِ ‏(‏سَعُوطًا‏)‏ لِعَدَمِ حُصُولِ الْغَسْلِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْمُبَالَغَةُ ‏(‏فِي غَيْرِهِمَا‏)‏ أَيْ غَيْرِ الْمَضْمَضْةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ ‏(‏ذَلِكَ مَا يَنْبُو عَنْهُ الْمَاءُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَا يَطْمَئِنُّ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَتَخْلِيلُ لِحْيَةٍ كَثِيفَةٍ‏)‏ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ‏(‏بِكَفٍّ مِنْ مَاءٍ يَضَعُهُ مِنْ تَحْتِهَا بِأَصَابِعِهِ مُشْتَبِكَةً‏)‏ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ، وَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ‏:‏ هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ‏(‏أَوْ‏)‏ يَضَعُهُ ‏(‏مِنْ جَانِبَيْهَا وَيَعْرُكُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ لِحْيَتَهُ‏.‏

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ وَيَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ غَسْلِهَا وَإِنْ شَاءَ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ ‏(‏وَكَذَا عَنْفَقَةٌ وَشَارِبٌ وَحَاجِبَانِ، وَلِحْيَةُ أُنْثَى وَخُنْثَى، و‏)‏ يُسَنُّ تَخْلِيلُهَا إذَا كَثُفَتْ‏.‏

و‏(‏مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ بَعْدَ رَأْسٍ بِمَاءٍ جَدِيدٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ ‏{‏رَأَى الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَأَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الَّذِي لِرَأْسِهِ‏}‏ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ ‏(‏وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ‏)‏ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، لِحَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ ‏{‏وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ‏}‏‏.‏

قَالَ فِي الشَّرْح‏:‏ وَهُوَ فِي الرِّجْلَيْنِ آكَدُ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ‏:‏ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى‏.‏

وَيَبْدَأُ مِنْ الرِّجْلِ الْيُمْنَى بِخِنْصَرِهَا، وَالْيُسْرَى بِالْعَكْسِ، لِيَحْصُلَ التَّيَامُنُ فِي التَّخْلِيلِ‏.‏

زَادَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مِنْ أَسْفَلِ الرِّجْلِ ‏(‏وَمُجَاوَزَةُ مَحَلِّ فَرْضِهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏إنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ‏.‏

فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَغَسْلَةٌ ثَانِيَةٌ‏)‏ غَسْلَةٌ ‏(‏وَثَالِثَةٌ‏)‏ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ ‏"‏ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ هَذَا أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ‏.‏

وَأَصَحُّ‏.‏

وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً‏}‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا‏.‏

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ‏"‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ‏.‏

وَيَعْمَلُ فِي عَدَدِ الْغَسَلَاتِ بِالْيَقِينِ‏.‏

وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَالِاثْنَتَانِ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَالثَّلَاثَةُ أَفْضُلُ مِنْهُمَا‏.‏

قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ‏:‏ وَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ لَمْ يُكْرَهْ ‏(‏وَكُرِهَ فَوْقَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الثَّلَاثِ‏.‏

لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ‏{‏جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ‏:‏ هَذَا الْوُضُوءُ‏.‏

فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ‏.‏

بَابُ‏:‏ الْوُضُوءِ

بِضَمِّ الْوَاوِ‏:‏ فِعْلُ الْمُتَوَضِّئِ مِنْ الْوَضَاءَةِ، وَهِيَ النَّظَافَةُ وَالْحُسْنُ؛ لِأَنَّهُ يُنَظِّفُ الْمُتَوَضِّئَ وَيُحَسِّنُهُ، وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِمَا يُتَوَضَّأُ بِهِ ‏(‏اسْتِعْمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ‏)‏ مُبَاحٍ ‏(‏فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ‏)‏ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ ‏(‏عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ‏)‏ يَأْتِي بَيَانُهَا‏.‏

وَاخْتُصَّتْ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا أَسْرَعُ مَا يَتَحَرَّكُ مِنْ الْبَدَنِ لِلْمُخَالَفَةِ‏.‏

وَرُتِّبَ غَسْلُهَا عَلَى تَرْتِيبِ سُرْعَةِ حَرَكَتِهَا فِي الْمُخَالَفَةِ، تَنْبِيهًا بِغَسْلِهَا ظَاهِرًا عَلَى تَطْهِيرِهَا بَاطِنًا‏.‏

ثُمَّ أَرْشَدَ بَعْدَهَا إلَى تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ‏:‏ وَفُرِضَ مَعَ الصَّلَاةِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ الْوُضُوءُ ‏(‏بِحَدَثٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِسَبَبِهِ‏.‏

وَفِي الِانْتِصَارِ‏:‏ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَهُ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ‏:‏ لَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ عَنْ حَدَثٍ وَنَجَسٍ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، بَلْ تُسْتَحَبُّ‏.‏

وَفِي الْفُرُوعِ‏:‏ يَتَوَجَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ‏.‏

وَيَتَوَجَّهُ قِيَاسُهُ غَسْلٌ‏.‏

قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَهُوَ لَفْظِيٌّ ‏(‏وَيَحِلُّ‏)‏ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ ‏(‏جَمِيعَ الْبَدَنِ كَجَنَابَةٍ‏)‏ يُؤَيِّدُهُ‏:‏ أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا يَحِلُّ لَهُ مَسُّ مُصْحَفٍ بِعُضْوٍ غَسَلَهُ فِي الْوُضُوءِ، حَتَّى يُتَمِّمَ وُضُوءَهُ‏.‏

‏(‏وَتَجِبُ التَّسْمِيَةُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَوْلُ ‏"‏ بِسْمِ اللَّهِ ‏"‏ فِي الْوُضُوءِ‏.‏

لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ‏.‏

وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ‏.‏

قَالَ الْبُخَارِيُّ‏:‏ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ‏:‏ حَدِيثُ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَعْنِي حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ‏.‏

وَسُئِلَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ‏:‏ أَيُّ حَدِيثٍ أَصَحُّ فِي التَّسْمِيَةِ‏؟‏ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ، وَمَحَلُّهَا اللِّسَانُ، وَوَقْتُهَا بَعْدَ النِّيَّةِ‏.‏

وَصِفَتُهَا ‏"‏ بِسْمِ اللَّهِ ‏"‏ ‏(‏وَتَسْقُطُ سَهْوًا‏)‏ نَصًّا‏.‏

لِحَدِيثِ ‏{‏عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ‏}‏‏.‏

وَكَوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ ‏(‏ك‏)‏ مَا تَجِبُ ‏(‏فِي غُسْلٍ‏)‏ وَتَسْقُطُ فِيهِ سَهْوًا، قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ ‏(‏لَكِنْ إنْ ذَكَرَهَا‏)‏ أَيْ التَّسْمِيَةَ‏؟‏ ‏(‏فِي بَعْضِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوُضُوءِ مَنْ نَسِيَهَا فِي أَوَّلِهِ ‏(‏ابْتَدَأَ‏)‏ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى جَمِيعِهِ‏.‏

فَوَجَبَ كَمَا لَوْ ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِهِ‏.‏

صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَحَكَاهُ عَنْ الْفُرُوعِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ يَأْتِي بِهَا حِينَ ذَكَرَهَا، وَيَبْنِي عَلَى وُضُوئِهِ، قَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ‏.‏

وَحَكَاهُ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ الْمَذْهَبُ‏.‏

وَرَدَّ الْأَوَّلَ ‏(‏وَتَكْفِي إشَارَةُ أَخْرَسَ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَمُعْتَقَلٍ لِسَانُهُ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالتَّسْمِيَةِ بِرَأْسِهِ، أَوْ طَرْفِهِ أَوْ أُصْبُعِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ مَا يُمْكِنُهُ‏.‏

‏(‏وَفُرُوضُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوُضُوءُ، جَمْعُ فَرْضٍ‏.‏

وَهُوَ مَا يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَالْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ‏.‏

سِتَّةُ أَشْيَاءٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ ‏(‏غَسْلُ الْوَجْهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ‏}‏ ‏(‏وَمِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَجْهِ ‏(‏فَمٌ وَأَنْفٌ‏)‏ لِدُخُولِهِمَا فِي حَدِّهِ‏.‏

وَكَوْنُهُمَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، بِدَلِيلِ غَسْلِهِمَا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَفِطْرِ الصَّائِمِ بِعَوْدِ الْقَيْءِ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِمَا‏.‏

وَأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَيْهِمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏غَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ‏}‏ وَكَلِمَةُ ‏"‏ إلَى ‏"‏ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى ‏"‏ مَعَ ‏"‏ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ‏}‏ وَفِعْلُهُ أَيْضًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَيِّنُهُ‏.‏

وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏مَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ‏}‏ وَالْبَاءُ فِيهِ لِلْإِلْصَاقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ‏.‏

قَالَ ابْنُ بَرْهَانَ‏:‏ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّبْعِيضِ، فَقَدْ جَاءَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بِمَا لَا يَعْرِفُونَهُ لِأَنَّ الَّذِينَ وَصَفُوا وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ ذَكَرُوا ‏{‏أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ‏}‏‏.‏

وَمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَنَّهُ مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ‏}‏ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعَ الْعِمَامَةِ، كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ‏.‏

وَعَفَا فِي الْمُبْهِجِ وَالْمُتَرْجِمِ عَنْ يَسِيرِهِ لِلْمَشَقَّةِ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ‏.‏

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ بِخِلَافِهِ ‏(‏وَمِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّأْسِ ‏(‏الْأُذُنَانِ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مَرْفُوعًا ‏{‏الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ‏}‏ فَيَجِبُ مَسْحُهُمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعُ ‏(‏غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ‏}‏ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْكَعْبَيْنِ، كَالْكَلَامِ السَّابِقِ فِي الْمِرْفَقَيْنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْخَامِسُ ‏(‏التَّرْتِيبُ‏)‏ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ‏.‏

كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ مَمْسُوحًا بَيْنَ مَغْسُولَيْنِ، وَقَطَعَ النَّظِيرَ عَنْ نَظِيرِهِ، وَهَذَا قَرِينَةُ إرَادَةِ التَّرْتِيبِ‏.‏

وَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَتِّبًا وَقَالَ‏:‏ ‏{‏هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ‏}‏ أَيْ بِمِثْلِهِ‏.‏

وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ‏{‏مَا أُبَالِي إذَا أَتْمَمْتُ وُضُوئِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْت‏}‏‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ إنَّمَا عَنَى بِهِ الْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا فِي الْكِتَابِ وَاحَدٌّ‏.‏

وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ ‏"‏ أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَحَدُنَا يَسْتَعْجِلُ، فَيَغْسِلُ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لَا، حَتَّى يَكُونَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ‏"‏ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏"‏ لَا بَأْسَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلَيْكَ قَبْلَ يَدَيْكَ فِي الْوُضُوءِ ‏"‏ فَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ‏.‏

وَالْوَاجِبُ التَّرْتِيبُ، لَا عَدَمُ التَّنْكِيسِ، فَلَوْ وَضَّأَهُ أَرْبَعَةٌ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ‏.‏

وَلَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ أَوْ جَارٍ، يَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ لَمْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ، حَتَّى يَخْرُجَ مُرَتَّبًا، مَعَ مَسْحِ رَأْسِهِ فِي مَحَلِّهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ‏:‏ أَنَّ الْجَارِيَ، كَالرَّاكِدِ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ هُنَا‏.‏

وَإِنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ لَمْ يُحْتَسَبْ بِمَا غَسَلَهُ قَبْلَ وَجْهِهِ‏.‏

وَإِنْ تَوَضَّأَ مُنَكِّسًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ صَحَّ وُضُوءُهُ إذَا كَانَ مُتَقَارِبًا يَحْصُل لَهُ مِنْ كُلِّ وُضُوءٍ‏:‏ غَسْلُ عُضْوٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ السَّادِسُ ‏(‏الْمُوَالَاةُ‏)‏ لِحَدِيثِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي، وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَزَادَ ‏"‏ وَالصَّلَاةُ ‏"‏ وَفِي إسْنَادِهِ‏:‏ بَقِيَّةُ، وَهُوَ اسْمُ رَجُلٍ ثِقَةٍ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ‏.‏

وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الْمُوَالَاةُ لَأَمَرَهُ بِغَسْلِ اللُّمْعَةِ فَقَطْ‏.‏

وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا الْحَدَثُ‏.‏

فَاشْتُرِطَتْ لَهَا الْمُوَالَاةُ كَالصَّلَاةِ‏.‏

وَلَمْ يُنْقَلُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ إلَّا مُتَوَالِيًا‏.‏

وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْغُسْلِ تَرْتِيبٌ وَلَا مُوَالَاةٌ؛ لِأَنَّ الْمَغْسُولَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ ‏(‏وَيَسْقُطَانِ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ ‏(‏مَعَ غُسْلٍ‏)‏ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ، لِانْدِرَاجِ الْوُضُوءِ فِيهِ، كَانْدِرَاجِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ‏.‏

‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُوَالَاةُ ‏(‏أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ مَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعُضْوُ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَوْ بَقِيَّةُ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ أَوَّلُهُ ‏(‏بِزَمَنٍ مُعْتَدِلٍ أَوْ قَدْرَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَدْرَ الزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ ‏(‏مِنْ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرِ الْمُعْتَدِلِ، بِأَنْ كَانَ حَارًّا أَوْ بَارِدًا ‏(‏وَيَضُرُّ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَفُوتُ الْمُوَالَاةُ ‏(‏إنْ جَفَّ‏)‏ عُضْوٌ أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ غَسْلِ مَا بَعْدَهُ، أَوْ بَقِيَّتُهُ ‏(‏لِاشْتِغَالٍ بِتَحْصِيلِ مَاءٍ‏)‏ يُتَمِّمُ بِهِ وَضُوءَهُ ‏(‏أَوْ جَفَّ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏لِإِسْرَافٍ أَوْ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ‏)‏ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ التَّطْهِيرِ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ إزَالَةِ ‏(‏وَسَخٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَجَبِيرَةٍ حَلَّهَا ‏(‏لِغَيْرِ طَهَارَةٍ‏)‏ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا لَمْ يُؤَثِّرْ؛ لِأَنَّهُ إذَنْ مَنْ أَفْعَالِ الطَّهَارَةِ، و‏(‏لَا‏)‏ يَضُرُّ اشْتِغَالُهُ ‏(‏بِسُنَّةٍ‏)‏ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوء، ‏(‏كَتَخْلِيلِ‏)‏ لِحْيَةٍ وَأَصَابِعَ ‏(‏وَإِسْبَاغِ‏)‏ الْمَاءِ أَيْ‏:‏ إبْلَاغِهِ مُوَاضِعَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ بِأَنْ يُؤْتِيَ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ ‏(‏وَإِزَالَةِ شَكٍّ‏)‏ بِأَنْ يُكَرِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ اسْتَكْمَلَ غَسْلَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ إزَالَةِ ‏(‏وَسْوَسَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا شَكٌّ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى فُرُوضِ الْوُضُوءِ شَرَعَ فِي شُرُوطِهِ، جَامِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُسْلِ اخْتِصَارًا، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَكْثَرِهَا؛ فَقَالَ‏:‏

فَصْلٌ ‏[‏في شروط الوضوء‏]‏

وَيُشْتَرَطُ لِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَلَوْ مُسْتَحَبَّيْنِ نِيَّةٌ لِخَبَرِ ‏{‏إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ‏}‏ أَيْ لَا عَمَلَ جَائِزٌ وَلَا فَاضِلٌ إلَّا بِهَا‏.‏

وَلِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى الثَّوَابِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ، وَلَا ثَوَابَ فِي غَيْرِ مَنْوِيٍّ إجْمَاعًا‏.‏

قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لِلتَّمْيِيزِ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ‏.‏

وَمِنْ شَرْطِهَا‏:‏ النِّيَّةُ؛ وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فَنِيَّةُ الصَّلَاةِ تَضَمَّنَتْهُمَا، لِوُجُودِهِمَا فِيهَا حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ‏.‏

فَإِنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ حُكْمُهُ‏.‏

وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ، لَا حَقِيقَتُهُ‏.‏

وَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ، وَكَانَ مُتَوَضِّئًا وَدَامَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ، بِخِلَافِ السَّتْرِ وَالِاسْتِقْبَالِ ‏(‏سِوَى غُسْلِ كِتَابِيَّةٍ‏)‏ لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جَنَابَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سِوَى غُسْلِ ‏(‏مُسْلِمَةٍ مُمْتَنِعَةٍ‏)‏ مِنْ غُسْلٍ لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ، حَتَّى لَا يَطَأَهَا ‏(‏فَتُغْسَلَ قَهْرًا‏)‏ لِحَقِّ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ وَيُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا ‏(‏وَلَا نِيَّةَ‏)‏ أَيْ‏:‏ يَسْقُطُ اشْتِرَاطُهَا ‏(‏لِلْعُذْرِ‏)‏ كَمُمْتَنِعٍ مِنْ زَكَاةٍ ‏(‏وَلَا تُصَلِّي بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالْغُسْلِ الْمَذْكُور الْمُسْلِمَةُ الْمُمْتَنِعَةُ‏.‏

وَقِيَاسُهُ‏:‏ مَنْعُهَا مِنْ طَوَافٍ وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُشْتَرَطُ لَهُ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ وَطْؤُهَا لِحَقِّ زَوْجِهَا فِيهِ‏.‏

فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ، وَلَا يُنْوَى عَنْهَا لِعَدَمِ تَعَذُّرِهَا مِنْهَا؛ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ‏.‏

‏(‏وَيَنْوِي‏)‏ الْغُسْلَ ‏(‏عَنْ مَيِّتٍ‏)‏ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ‏(‏وَ‏)‏ عَنْ ‏(‏مَجْنُونَةٍ‏)‏ مُسْلِمَةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ حَاضَتْ وَنَحْوِهِ ‏(‏غُسْلًا‏)‏ لِتَعَذُّرِ النِّيَّةِ مِنْهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي، فِي الْمَجْنُونَةِ‏:‏ لَا نِيَّةَ‏.‏

لِعَدَمِ تَعَذُّرِهَا مَآلًا؛ لِأَنَّهَا تُفِيقُ بِخِلَافِ الْمَيِّتَةِ، وَأَنَّهَا تُعِيدُ الْغُسْلَ إذَا أَفَاقَتْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الشَّرْطُ الثَّانِي ‏(‏طَهُورِيَّةُ مَاءٍ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمِيَاهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏إبَاحَتُهُ‏)‏ فَلَا يَصِحُّ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ بِنَحْوِ مَاءٍ مَغْصُوبٍ، لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعُ ‏"‏ إزَالَةُ مَا يَمْنَعُ وُصُولَهُ ‏"‏ أَيْ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ، لِيَحْصُلَ الْإِسْبَاغُ الْمَأْمُورُ بِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْخَامِسُ ‏(‏تَمْيِيزٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى سِنٍّ يُعْتَبَرُ قَصْدًا لِصَغِيرٍ فِيهِ شَرْعًا‏:‏ فَلَا يَصِحُّ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يُشْتَرَطُ لِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ ‏(‏إسْلَامٌ وَعَقْلٌ‏)‏ وَهُمَا السَّادِسُ وَالسَّابِعُ ‏(‏لِسِوَى مَنْ تَقَدَّمَ‏)‏ وَهُوَ الْكِتَابِيَّةُ وَالْمَجْنُونَةُ إذَا اغْتَسَلَتَا مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ‏.‏

لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏لِوُضُوءٍ‏)‏ وَحْدَهُ ‏(‏دُخُولُ وَقْتٍ عَلَى مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ لِفَرْضِهِ‏)‏ أَيْ فَرْضِ ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةً‏.‏

فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ كَالتَّيَمُّمِ‏.‏

فَإِنْ تَوَضَّأَ لِفَائِتَةٍ أَوْ جِنَازَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَوْ طَوَافٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

صَحَّ كُلُّ وَقْتٍ‏.‏

وَهَذَا الثَّامِنُ لِلْوُضُوءِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ التَّاسِعُ ‏(‏فَرَاغُ خُرُوجِ خَارِجٍ‏)‏ مِنْ سَبِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ كَقَيْءٍ‏.‏

لَكِنْ لَوْ قَالَ‏:‏ انْقِطَاعُ مُوجِبٍ، وَعَدَّهُ فِي الْمُشْتَرَكَةِ، لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ‏.‏

إذْ لَا يَشْمَلُ نَحْوَ لَمْسٍ ‏(‏وَ‏)‏ الْعَاشِرُ فَرَاغُ ‏(‏اسْتِنْجَاءٍ‏)‏ بِمَاءٍ ‏(‏أَوْ اسْتِجْمَارٍ‏)‏ بِنَحْوِ حَجَرٍ، وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ ‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏لِغُسْلِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ فَرَاغُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ انْقِطَاعُ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، لِمُنَافَاةِ وُجُودِهِمَا الْغُسْلَ لَهُمَا‏.‏

وَكَذَا فَرَاغُ إنْزَالٍ وَجِمَاعٍ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ فَرَاغُ وُجُوبِهِ لَكَانَ أَوْلَى‏.‏

‏(‏وَالنِّيَّةُ‏)‏ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِنَحْوِ صَلَاةٍ ‏(‏قَصْدُ رَفْعِ الْحَدَثِ‏)‏ بِفِعْلِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لِنَحْوِ صَلَاةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَصْدُ ‏(‏اسْتِبَاحَةِ مَا‏)‏ أَيْ‏:‏ فِعْلٍ كَصَلَاةٍ، أَوْ قَوْلٍ، كَقِرَاءَةٍ ‏(‏تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَةُ‏)‏ أَيْ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ، وَفِيَ مَعْنَاهُ‏:‏ قَصْدُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِنَحْوِ صَلَاةٍ وَإِنْ فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَتْهُ‏.‏

‏(‏وَتَتَعَيَّنُ‏)‏ الصُّورَةُ ‏(‏الثَّانِيَةُ‏)‏ وَهِيَ قَصْدُ الِاسْتِبَاحَةِ ‏(‏لِمَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ‏)‏ كَمُسْتَحَاضَةٍ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ قُرُوحٌ سَيَّالَةٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ نِيَّةِ الْفَرْضِ، وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ‏(‏وَإِنْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ بِطُرُوٍّ‏)‏ حَدَثٍ ‏(‏غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الدَّائِمِ، كَمَا لَوْ كَانَ السَّلَسُ بَوْلًا، وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ فَيَنْوِي الِاسْتِبَاحَةَ لَا رَفْعَ الْحَدَثِ، لِمُنَافَاةِ الْخَارِجِ لَهُ صُورَةً وَإِنْ قُلْنَا يَرْتَفِعُ جَعْلًا لِلدَّائِمِ كَالْعَدَمِ لِلضَّرُورَةِ‏.‏

‏(‏وَتُسَنُّ‏)‏ النِّيَّةُ ‏(‏عِنْدَ أَوَّلِ مَسْنُونٍ وُجِدَ قَبْلَ وَاجِبٍ‏)‏ كَغُسْلِ الْكَفَّيْنِ، إنْ كَانَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ، لِتَشْمَلَ النِّيَّةُ فَرْضَ الْوُضُوءِ وَسُنَنَهُ، فَيُثَابَ عَلَيْهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏نُطْقٌ بِهَا‏)‏ أَيْ النِّيَّةِ ‏(‏سِرًّا‏)‏ لِيُوَافِقَ لِسَانُهُ قَلْبَهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الْجَهْرُ بِهَا، وَتَكْرِيرُهَا، بَلْ مَنْ اعْتَادَهُ يَنْبَغِي تَأْدِيبُهُ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْعِبَادَاتِ، قَالَ‏:‏ وَيُعْزَلُ عَنْ الْإِمَامَةِ إنْ لَمْ يَنْتَهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏اسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا‏)‏ أَيْ النِّيَّةِ بِأَنْ يَسْتَحْضِرَهَا فِي جَمِيع الطَّهَارَةِ، لِتَكُونَ أَفْعَالُهَا كُلُّهَا مَقْرُونَةً بِالنِّيَّةِ ‏(‏وَيُجْزِئُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا‏)‏ أَيْ النِّيَّةِ بِأَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا فَإِنْ عَزَبَتْ كُلُّهَا عَنْ خَاطِرِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الطَّهَارَةِ، وَلَا فِي الصَّلَاةِ‏.‏

قَالَ الْمَجْدُ‏:‏ إنْ لَمْ يَنْوِ بِالْغُسْلِ غَيْرَهُ، فَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِهِ تَبَرُّدًا أَوْ تَنَظُّفًا أَوْ اسْتِحْمَامًا مَعَ عُزُوبِ النِّيَّةِ عَنْهُ لَمْ يُجْزِئْهُ‏.‏

‏(‏وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا‏)‏ أَيْ النِّيَّةُ ‏(‏عَلَى الْوَاجِبِ‏)‏ أَيْ عَلَى أَوَّلِ وَاجِبٍ، وَهُوَ التَّسْمِيَةُ، لِتَشْمَلَهُ النِّيَّةُ فَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبَاتِ قَبْلَ النِّيَّةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ‏(‏وَيَضُرُّ كَوْنُهُ‏)‏ أَيْ التَّقَدُّمِ ‏(‏بِزَمَنٍ كَثِيرٍ‏)‏ كَالصَّلَاةِ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ بِيَسِيرٍ لَمْ يَضُرَّ كَالصَّلَاةِ، و‏(‏لَا‏)‏ يَضُرُّ ‏(‏سَبْقُ لِسَانِهِ‏)‏ عِنْدَ تَلَفُّظِهِ بِالنِّيَّةِ ‏(‏بِغَيْرِ قَصْدِهِ‏)‏ كَقَوْلِ مَنْ أَرَادَ الْوُضُوءَ‏:‏ نَوَيْت الصَّوْمَ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ لَا اللِّسَانُ ‏(‏وَلَا إبْطَالُهُ‏)‏ أَيْ الْوُضُوءِ وَفِي نُسْخَةٍ‏:‏ إبْطَالُهَا، أَيْ الطَّهَارَةِ أَوْ النِّيَّةِ ‏(‏بَعْدَ فَرَاغِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ صَحِيحًا، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُفْسِدُهُ فِيهِ‏.‏

‏(‏أَوْ شَكَّ فِيهَا‏)‏ أَيْ الطَّهَارَةِ أَوْ النِّيَّةِ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَكَذَا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ، عَمَلًا بِالْيَقِينِ، فَإِنْ كَانَ الشَّكُّ قَبْلَ فَرَاغِهِ أَتَى بِمَا شَكَّ فِيهِ وَبِمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ أَبْطَلَ النِّيَّةَ فِي نَحْوِ أَثْنَاءِ وُضُوءٍ بَطَلَ مَا مَضَى مِنْهُ، وَإِنْ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ وَبَعْضَهَا بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ، ثُمَّ أَعَادَ مَا غَسَلَهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَ، مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ وَهْمًا كَالْوَسْوَاسِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ ‏(‏فَلَوْ نَوَى‏)‏ بِوُضُوئِهِ ‏(‏مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ‏)‏ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ‏(‏كَقِرَاءَةِ‏)‏ قُرْآنٍ ‏(‏وَذِكْرِ‏)‏ اللَّهِ تَعَالَى ‏(‏وَأَذَانٍ وَنَوْمٍ وَرَفْعِ شَكٍّ وَغَضَبٍ وَكَلَامٍ مُحَرَّمٍ وَفِعْلِ نُسُكٍ‏)‏ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ نَصًّا ‏(‏غَيْرَ طَوَافٍ‏)‏ فَإِنَّهُ مِمَّا يَجِبُ لَهُ الْوُضُوءُ ‏(‏وَ‏)‏ ك ‏(‏جُلُوسٍ بِمَسْجِدٍ، وَقِيلَ وَدُخُولِهِ‏)‏ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ‏(‏وَ‏)‏ قِيلَ و‏(‏حَدِيثٍ وَتَدْرِيسِ عِلْمٍ‏)‏ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا، قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَفِيَ الْمَعْنَى وَغَيْرِهِ ‏(‏وَأَكْلٍ‏)‏ وَفِي النِّهَايَةِ ‏(‏وَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ وَيَأْتِي أَنَّهُ يُسَنُّ لِوَطْءٍ، وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، لِجُنُبٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى بِوُضُوئِهِ ‏(‏التَّجْدِيدَ إنْ سُنَّ‏)‏ لَهُ التَّجْدِيدُ ‏(‏بِأَنْ صَلَّى بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ وَكَانَ أَحْدَثَ، وَلَكِنْ نَوَى التَّجْدِيدَ ‏(‏نَاسِيًا حَدَثَهُ ارْتَفَعَ‏)‏ حَدَثُهُ بِالْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ وَالتَّجْدِيدِ، لِأَنَّهُ نَوَى طَهَارَةً شَرْعِيَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ تَحْصُلَ لَهُ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ نَوَى شَيْئًا مِنْ ضَرُورَتِهِ صِحَّةُ الطَّهَارَةِ، وَهِيَ الْفَضِيلَةُ الْحَاصِلَةُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَةٍ‏.‏

فَإِنْ نَوَى التَّجْدِيدَ عَالِمًا حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ لِتَلَاعُبِهِ، و‏(‏لَا‏)‏ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ ‏(‏إنْ نَوَى طَهَارَةً‏)‏ وَأَطْلَقَ ‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى ‏(‏وُضُوءًا وَأَطْلَقَ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَنْوِهِ لِنَحْوِ صَلَاةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ، أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ، لِعَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، إذْ لَا تَمْيِيزَ فِيهَا، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مَشْرُوعًا وَغَيْرُهُ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى ‏(‏جُنُبٌ الْغُسْلَ وَحْدَهُ‏)‏ أَيْ دُونَ الْوُضُوءِ، فَلَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ الْأَصْغَرُ، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ وَالِدُهُ فِي قِطْعَتِهِ عَلَى الْوَجِيزِ‏:‏ يَعْنِي بِ وَحْدَهُ إطْلَاقَ نِيَّةِ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ عَادَةً وَتَارَةً يَكُونُ عِبَادَةً‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى جُنُبٌ الْغُسْلَ ‏(‏لِمُرُورِهِ‏)‏ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ، لِأَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَا تُشْرَعُ لَهُ الطَّهَارَةُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى بِطَهَارَتِهِ بِمَسِّ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ‏:‏ لَوْ نَوَى الْغُسْلَ لِمُرُورِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ الْأَصْغَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَنَابَةِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ نَوَى غُسْلًا مَسْنُونًا‏)‏ وَعَلَيْهِ وَاجِبٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى غُسْلًا ‏(‏وَاجِبًا‏)‏ فِي مَحَلِّ مَسْنُونٍ ‏(‏أَجْزَأَ عَنْ الْآخَرِ‏)‏ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ نَوَى التَّجْدِيدَ نَاسِيًا ‏(‏وَإِنْ نَوَاهُمَا‏)‏ أَيْ الْوَاجِبَ وَالْمَسْنُونَ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ ‏(‏حَصَلَا‏)‏ أَيْ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُهُمَا، لِأَنَّهُ نَوَاهُمَا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْوَاجِبِ أَوَّلًا ثُمَّ لِلْمَسْنُونِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَحْدَاثٌ‏)‏ أَيْ مُوجِبَاتُ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ وُجِدَتْ ‏(‏مُتَفَرِّقَةً تُوجِبُ غُسْلًا أَوْ‏)‏ تُوجِبُ ‏(‏وُضُوءًا وَنَوَى‏)‏ بِغُسْلِهِ أَوْ وُضُوئِهِ ‏(‏أَحَدَهَا‏)‏ أَيْ الْأَحْدَاثِ ‏(‏لَا‏)‏ إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ ‏(‏عَلَى أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُهُ‏)‏ أَيْ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ مِنْ الْأَحْدَاثِ بِذَلِكَ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ ‏(‏ارْتَفَعَ سَائِرُهَا‏)‏ أَيْ ارْتَفَعَتْ كُلُّهَا، لِأَنَّهَا تَتَدَاخَلُ، فَإِذَا نَوَى بَعْضَهَا غَيْرَ مُقَيَّدٍ ارْتَفَعَ جَمِيعُهَا كَمَا لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ، وَإِنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثٍ مِنْهَا عَلَى أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُهُ فَعَلَى مَا نَوَى، لِحَدِيثِ ‏"‏ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ‏"‏ وَإِنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثِ نَوْمٍ مَثَلًا غَلَطًا مَنْ عَلَيْهِ حَدَثُ بَوْلٍ؛ ارْتَفَعَ لِتَدَاخُلِ الْأَحْدَاثِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏صفة الوضوء‏]‏

وَصْفَةُ الْوُضُوءِ أَيْ كَيْفِيَّتُهُ الْكَامِلَةُ ‏(‏أَنْ يَنْوِيَ‏)‏ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ اسْتِبَاحَةَ نَحْوِ صَلَاةٍ أَوْ الْوُضُوءِ لَهَا ‏(‏ثُمَّ يُسَمِّي‏)‏ فَيَقُولُ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ، لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَيَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا‏)‏ لِمَا سَبَقَ ‏(‏ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا‏)‏ إنْ شَاءَ مِنْ سِتٍّ وَإِنْ شَاءَ مِنْ ثَلَاثٍ ‏(‏وَ‏)‏ كَوْنُهُمَا ‏(‏مِنْ غُرْفَةٍ‏)‏ وَاحِدَةٍ ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ ‏"‏ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، فَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِكَفٍّ وَاحِدَةٍ وَقَالَ‏:‏ هَذَا وُضُوءُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ‏.‏

وَيَشْهَدُ لِلثَّلَاثِ حَدِيثُ عَلِيٍّ أَيْضًا ‏"‏ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ‏"‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ لِلسِّتِّ حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ‏:‏ ‏{‏رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَوُضُوءُهُ كَانَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَلَزِمَ كَوْنُهُمَا مِنْ سِتٍّ‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ أَنْ يُسَمَّيَا‏)‏ أَيْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ ‏(‏فَرْضَيْنِ‏)‏ إذْ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ وَاحِدٌ، وَهُمَا وَاجِبَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي‏.‏

وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ‏}‏‏.‏

وَفِيَ حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ ‏"‏ إذَا تَوَضَّأْت فَتَمَضْمَضْ ‏"‏ أَخْرَجَهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّ الَّذِينَ وَصَفُوا وُضُوءَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَكَرُوا أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا، لِأَنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِأَمْرِهِ تَعَالَى‏.‏

‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَغْسِلُ ‏(‏وَجْهَهُ‏)‏ ثَلَاثًا وَحَدُّهُ ‏(‏مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ غَالِبًا‏)‏ فَلَا عِبْرَةَ ‏(‏بِالْأَفْرَعِ‏)‏ - بِالْفَاءِ - الَّذِي نَبَتَ شَعْرُهُ فِي بَعْضِ جَبْهَتِهِ، وَلَا ‏(‏بِالْأَجْلَحِ‏)‏ الَّذِي انْحَسَرَ شَعْرُهُ عَنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ ‏(‏إلَى النَّازِلِ مِنْ اللَّحْيَيْنِ‏)‏ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَهُمَا عَظْمَانِ فِي أَسْفَلِ الْوَجْهِ قَدْ اكْتَنَفَاهُ‏.‏

‏(‏وَالذَّقَنُ‏)‏ مَجْمَعُ اللِّحْيَةِ ‏(‏طُولًا‏)‏ نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، فَيَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ ‏(‏مَعَ مُسْتَرْسَلِ‏)‏ شَعْرِ ‏(‏اللِّحْيَةِ‏)‏ بِكَسْرِ اللَّامِ طُولًا، وَمَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ عَرْضًا، لِأَنَّ اللِّحْيَةَ تُشَارِكُ الْوَجْهَ فِي مَعْنَى التَّوَجُّهِ وَالْمُوَاجِهَةِ بِخِلَافِ مَا نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الرَّأْسَ فِي التَّرَؤُّسِ ‏(‏وَ‏)‏ حَدُّ الْوَجْهِ ‏(‏مِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ عَرْضًا‏)‏ أَيْ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ، فَهُمَا لَيْسَا مِنْهُ‏.‏

وَأَمَّا إضَافَتُهُمَا إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَلِلْمُجَاوَرَةِ‏.‏

وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ أَنَّهُ غَسَلَهُمَا مَعَ الْوَجْهِ ‏(‏فَيَدْخُلُ‏)‏ فِيهِ ‏(‏عِذَارٌ وَهُوَ شَعْرٌ نَابِتٌ عَلَى عَظْمٍ نَاتِئٍ يُسَامِتُ‏)‏ أَيْ يُحَاذِي ‏(‏صِمَاخَ‏)‏ بِكَسْرِ الصَّادِ ‏(‏الْأُذُنِ‏)‏ أَيْ خَرْقَهَا ‏(‏وَ‏)‏ يَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا ‏(‏عَارِضٌ و‏)‏ وَهُوَ ‏(‏مَا تَحْتَهُ‏)‏ أَيْ الْعِذَارِ ‏(‏إلَى ذَقَنٍ‏)‏ وَهُوَ مَا نَبَتَ عَلَى الْخَدِّ وَاللَّحْيَيْنِ‏.‏

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ‏:‏ مَا جَاوَزَتْهُ الْأُذُنُ عَارِضٌ و‏(‏لَا‏)‏ يَدْخُلُ فِيهِ ‏(‏صُدْغٌ‏)‏ بِضَمِّ الصَّادِ ‏(‏وَهُوَ مَا فَوْقَ الْعِذَارِ، يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ وَيَنْزِلُ عَنْهُ قَلِيلًا‏)‏ بَلْ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ غَسَلَهُ مَعَ الْوَجْهِ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَدْخُلُ ‏(‏‏(‏تَحْذِيفٌ‏)‏، وَهُوَ‏)‏ الشَّعْرُ ‏(‏الْخَارِجُ إلَى طَرَفَيْ الْجَبِينِ مِنْ جَانِبَيْ الْوَجْهِ بَيْنَ النَّزَعَةِ‏)‏ بِفَتْحِ الزَّايِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ ‏(‏وَمُنْتَهَى الْعِذَارِ‏)‏ لِأَنَّهُ شَعْرٌ مُتَّصِلٌ بِشَعْرِ الرَّأْسِ‏.‏

لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ أَشْبَهَ الصُّدْغَ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَدْخُلُ فِي الْوَجْهِ أَيْضًا ‏(‏‏(‏النَّزْعَتَانِ‏)‏ وَهُمَا مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الشَّعْرُ مِنْ جَانِبَيْ الرَّأْسِ‏)‏ أَيْ جَانِبَيْ مُقَدَّمِهِ‏.‏

لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِمَا الْمُوَاجَهَةُ‏.‏

وَلِدُخُولِ ذَلِكَ فِي الرَّأْسِ‏.‏

لِأَنَّهُ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا‏.‏

وَالْإِضَافَةُ إلَى الْوَجْهِ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ فَلَا تَنْكِحِي إنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا أَغَمَّ الْقَفَا وَالْوَجْهِ لَيْسَ بِأَنْزَعَا لِلْمُجَاوَرَةِ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

يُسْتَحَبُّ تَعَاهُدُ الْمِفْصَلِ بِالْغَسْلِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ اللِّحْيَةِ وَالْأُذُنِ نَصًّا ‏(‏وَلَا يُجْزِئُ غَسْلُ ظَاهِرِ شَعْرٍ‏)‏ فِي الْوَجْهِ يَصِفُ الْبَشَرَةَ، لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ تَحْصُلُ بِهَا الْمُوَاجَهَةُ فَوَجَبَ غُسْلُهَا كَاَلَّتِي لَا شَعْرَ فِيهَا، وَوَجَبَ غَسْلُ الشَّعْرِ مَعَهَا، لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَتَبِعَهَا ‏(‏إلَّا أَنْ‏)‏ يَكُونَ الشَّعْرُ كَثِيفًا ‏(‏لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ‏)‏ فَيُجْزِئُهُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ، لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِ دُونَ الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ ‏(‏وَيُسَنُّ تَخْلِيلُهُ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ فِي السُّنَنِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ بَعْضُ شَعْرِهِ كَثِيفًا وَبَعْضُهُ خَفِيفًا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ‏.‏

وَفِي الرِّعَايَةِ‏:‏ يُكْرَهُ غَسْلُ بَاطِنِهَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ و‏(‏لَا‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏غَسْلُ دَاخِلِ عَيْنٍ‏)‏ فِي وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ بَلْ يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلُهُ، وَلَا الْأَمْرُ بِهِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ ‏(‏مِنْ نَجَاسَةٍ وَلَوْ أَمِنَ الضَّرَرَ‏)‏ فَيُعْفَى عَنْ نَجَاسَةٍ بِعَيْنٍ، وَيَأْتِي، وَيُسْتَحَبُّ تَكْثِيرُ مَاءِ الْوَجْهِ، لِأَنَّ فِيهِ ‏(‏غُضُونًا‏)‏، جَمْعُ غَضْنٍ وَهُوَ التَّثَنِّي وَدَوَاخِلُ وَخَوَارِجُ، لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعه‏.‏

وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا ‏(‏وَكَانَ يَتَعَهَّدُ الْمَاقَيْنِ‏)‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ‏.‏

وَهُمَا تَثْنِيَةُ الْمَاقِ، مَجْرَى الدَّمْعِ مِنْ الْعَيْنِ‏.‏

‏(‏ثُمَّ‏)‏ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ يَغْسِلُ ‏(‏يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ‏)‏ ثَلَاثًا لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَ‏)‏ مَعَ ‏(‏أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ و‏)‏ مَعَ ‏(‏يَدٍ أَصْلُهَا بِمَحَلِّ الْفَرْضِ‏)‏ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ‏.‏

أَشْبَهَ الثُّؤْلُولَ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَدِ أَصْلِهَا ‏(‏بِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ بِغَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، بِأَنْ تَدَلَّى، لَهُ ذِرَاعَانِ بِيَدَيْنِ مِنْ الْعَضُدِ ‏(‏وَلَمْ تَتَمَيَّزْ‏)‏ الزَّائِدَةُ مِنْهُمَا فَيَغْسِلُهُمَا لِيَخْرُجَ مِنْ الْوُجُوهِ بِيَقِينٍ‏.‏

كَمَا لَوْ تَنَجَّسَتْ إحْدَى يَدَيْهِ وَجَهِلَهَا ‏(‏وَ‏)‏ مَعَ ‏(‏أَظْفَارِهِ‏)‏ وَلَوْ طَالَتْ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِيَدِهِ خِلْقَةً فَدَخَلَتْ فِي مُسَمَّى الْيَدِ ‏(‏وَلَا يَضُرُّ وَسَخٌ يَسِيرٌ تَحْتَ ظُفْرٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَدَاخِلِ أَنْفٍ ‏(‏يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ‏)‏ لِأَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ عَادَةً، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْوُضُوءُ مَعَهُ لَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِهِ كُلَّ يَسِيرٍ مَنَعَ حَيْثُ كَانَ بِالْبَدَنِ، كَدَمٍ وَعَجِينٍ وَنَحْوِهِمَا، وَاخْتَارَهُ‏.‏

وَإِنْ تَقَلَّصَتْ جِلْدَةٌ مِنْ الذِّرَاعِ وَتَدَلَّتْ مِنْ الْعَضُدِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَبِالْعَكْسِ يَجِبُ غَسْلُهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَإِنْ تَقَلَّصَتْ مِنْ أَحَدِ الْمَحَلَّيْنِ وَالْتَحَمَ رَأْسُهَا بِالْآخَرِ وَجَبَ غَسْلُ مَا حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ مِنْ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا وَمَا تَحْتَهَا، دُونَ مَا لَمْ يُحَاذِهِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ يَدٌ زَائِدَةٌ أَصْلُهَا بِغَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَتَمَيَّزَتْ، لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا قَصِيرَةً كَانَتْ أَوْ طَوِيلَةً‏.‏

‏(‏وَمَنْ خُلِقَ بِلَا مِرْفَقٍ غَسَلَ إلَى قَدْرِهِ‏)‏ أَيْ الْمِرْفَقِ ‏(‏فِي غَالِبِ النَّاسِ‏)‏ إلْحَاقًا لِلنَّادِرِ بِالْغَالِبِ ‏(‏ثُمَّ يَمْسَحُ جَمِيعَ ظَاهِرِ رَأْسِهِ‏)‏ بِالْمَاءِ، فَلَوْ مَسَحَ الْبَشَرَةَ لَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ غَسَلَ بَاطِنَ اللِّحْيَةِ، وَلَوْ حَلَقَ الْبَعْضَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ شَعْرُ مَا لَمْ يَحْلِقْ، أَجْزَأَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى مَعْقُوصٍ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ وَلَوْلَا الْعَقْصُ لَنَزَلَ رِجْلَيْهِ، وَيَغْسِلُهُمَا بِالْيُسْرَى نَدْبًا وَالْأَوْلَى تَرْكُ الْكَلَامِ عَلَى الْوُضُوءِ‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ‏:‏ لَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ وَلَا رَدُّهُ ‏(‏وَالْأَقْطَعُ مِنْ مَفْصِلِ مِرْفَقٍ‏)‏ الْمَفْصِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَأَمَّا بِالْعَكْسِ فَهُوَ اللِّسَانُ، وَالْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْمِيمِ وَكَسْرُ الْفَاءِ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْ مَفْصِلِ ‏(‏كَعْبٍ، يَغْسِلُ طَرَفَ عَضُدٍ وَ‏)‏ طَرَفَ ‏(‏سَاقٍ‏)‏ وُجُوبًا لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْأَقْطَعُ ‏(‏مِنْ دُونِهِمَا‏)‏ أَيْ دُونَ مِفْصَلِ مِرْفَقٍ وَكَعْبٍ يَغْسِلُ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ فَرْضٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْأَقْطَعَ مِنْ فَوْقَ مِفْصَلِ مِرْفَقٍ وَكَعْبٍ لَا غَسْلَ عَلَيْهِ، لَكَن يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ مَحَلِّ الْقَطْعِ بِالْمَاءِ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعُضْوُ عَنْ طَهَارَةٍ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ أَيْ كَالْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ ‏(‏تَيَمُّمٌ‏)‏ فَالْأَقْطَعُ مِنْ مِفْصَلِ كَفٍّ، يَمْسَحُ مَحَلَّ قَطْعٍ بِالتُّرَابِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دُونِهِ مَسَحَ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَمَنْ فَوْقَهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ مَحَلٍّ قُطِعَ بِتُرَابٍ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَإِنْ وَجَدَ أَقْطَعُ وَنَحْوُهُ مَنْ يُوَضِّئُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ، وَقَدَرَ عَلَيْهَا بِلَا ضَرَرٍ؛ لَزِمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ وَوَجَدَ مَنْ يُيَمِّمُهُ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَاسْتِنْجَاءُ مِثْلِهِ، وَإِنْ تَبَرَّعَ بِتَطْهِيرِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ لِمَنْ فَرَغَ‏)‏ مِنْ وُضُوءٍ قَالَ فِي الْفَائِقِ‏:‏ وَكَذَا غُسْلٍ ‏(‏رَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ وَقَوْلُ‏:‏ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ‏)‏ لِحَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُبْلِغُ، أَوْ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ‏.‏

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ ‏"‏ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ التَّوَّابِينَ‏.‏

وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ ‏"‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد‏.‏

وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ ‏(‏فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إلَى السَّمَاءِ‏)‏ وَسَاقَ الْحَدِيثَ زَادَ فِي الْإِقْنَاعِ ‏"‏ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ ‏"‏ لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ‏(‏وَيُبَاحُ‏)‏ لِلْمُتَوَضِّئِ ‏(‏تَنْشِيفٌ‏)‏ لِحَدِيثِ سَلْمَانَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَلَبَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ‏.‏

فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ‏.‏

وَتَرْكُهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ لَمَّا أَتَتْهُ بِالْمَنْدِيلِ، بَعْدَ أَنْ اغْتَسَلَ‏:‏ لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتْرَكُ الْمُبَاحَ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةُ عَيْنٍ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرَكَ تِلْكَ الْمَنْدِيلَ لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ عَنْهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ، لِعُرُوضِ الْعَقْصِ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ، وَكَذَا لَوْ مَسَحَ عَلَى مَخْضُوبٍ بِمَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ وَحَدُّ الرَّأْسِ ‏(‏مِنْ حَدِّ الْوَجْهِ‏)‏ أَيْ مِنْ مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ غَالِبًا ‏(‏إلَى مَا يُسَمَّى قَفًا‏)‏ بِالْقَصْرِ وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ‏.‏

‏(‏وَالْبَيَاضُ فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ‏)‏ أَيْ الرَّأْسُ، فَيَجِبُ مَسْحُهُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ إجْمَاعًا ‏(‏يُمِرُّ يَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِهِ‏)‏ أَيْ الرَّأْسِ ‏(‏إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا‏)‏ إلَى مُقَدَّمِهِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ‏{‏إنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ‏.‏

بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ‏}‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ‏.‏

فَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَافَ انْتِشَارَ شَعْرِهِ وَغَيْرِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَأْخُذُ مَاءً جَدِيدًا لِأُذُنَيْهِ و‏(‏يُدْخِلُ سَبَّابَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ وَيَمْسَحُ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَهُمَا‏)‏ لِمَا فِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، بَاطِنَهُمَا بِالسَّبَّابَتَيْنِ وَظَاهِرَهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ‏}‏ قَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ بِالْغَضَارِيفِ، لِأَنَّ الرَّأْسَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ مِنْهُ بِالشَّعْرِ، فَالْأُذُنُ أَوْلَى‏.‏

‏(‏وَيُجْزِئُ الْمَسْحُ‏)‏ لِلرَّأْسِ وَالْأُذُنِ ‏(‏كَيْفَ مَسَحَ و‏)‏ يُجْزِئُ الْمَسْحُ أَيْضًا ‏(‏بِحَائِلٍ‏)‏ كَخِرْقَةٍ وَخَشَبَةٍ مَبْلُولَتَيْنِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ‏}‏ وَلَا يُجْزِئُ وَضْعُ يَدِهِ أَوْ نَحْوِ خِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ عَلَى رَأْسِهِ، أَوْ بَلَّ خِرْقَةً عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ مَسْحٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏غَسْلُ‏)‏ رَأْسِهِ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْإِقْنَاعِ‏:‏ وَيُكْرَهُ مَعَ إمْرَارِ يَدِهِ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ ‏"‏ أَنَّهُ ‏{‏تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ‏.‏

فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ، حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ، حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إلَى مُقَدَّمِهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

فَإِنْ لَمْ يُمِرَّ يَدَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ لِعَدَمِ الْمَسْحِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَيُجْزِئُ ‏(‏إصَابَةُ مَاءِ‏)‏ رَأْسَهُ مِنْ نَحْو مَطَرٍ ‏(‏مَعَ إمْرَارِ يَدِهِ‏)‏ لِوُجُودِ الْمَسْحِ بِمَاءٍ طَهُورٍ فَإِنْ لَمْ يُمِرَّهَا لَمْ يُجْزِئْهُ، وَالْأُذُنَانِ فِي ذَلِكَ كَالرَّأْسِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ مَسْحٍ وَلَا مَسْحُ عُنُقٍ ‏(‏ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ مَعَ كَعْبَيْهِ‏)‏ ثَلَاثًا ‏(‏وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ‏)‏ فِي أَسْفَلِ السَّاقِ مِنْ جَانِبَيْ الْقَدَمِ‏.‏

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ الْكَعْبُ هُوَ الَّذِي فِي أَصْلِ الْقَدَمِ مُنْتَهَى السَّاقِ، بِمَنْزِلَةِ كِعَابِ الْقَنَا، وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إلَى الْكَعْبَيْنِ‏}‏ حُجَّةٌ لِذَلِكَ أَيْ كُلُّ رِجْلٍ تُغْسَلُ إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَلَوْ أَرَادَ جَمْعَ أَرْجُلٍ لَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏"‏ الْمَرَافِقُ ‏"‏ وَيَصُبُّ الْمَاءَ بِيُمْنَى يَدَيْهِ عَلَى كِلْتَا بِهَا، وَيُكْرَهُ نَفْضُ يَدِهِ لَا نَفْضُ الْمَاءِ بِيَدِهِ عَنْ بَدَنِهِ‏.‏

لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ ‏(‏وَ‏)‏ يُبَاحُ ‏(‏مُعِينٌ‏)‏ لِمُتَوَضِّئٍ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ‏"‏ أَنَّهُ ‏{‏أَفْرَغَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَضُوئِهِ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏(‏وَسُنَّ كَوْنُهُ‏)‏ أَيْ الْمُعِينُ ‏(‏عَنْ يَسَارِهِ‏)‏ أَيْ الْمُتَوَضِّئِ، لِيَسْهُلَ تَنَاوُلُ الْمَاءِ عِنْدَ الصَّبِّ ‏(‏كَإِنَاءِ وُضُوءٍ ضَيِّقِ الرَّأْسِ‏)‏ فَيَجْعَلُهُ عَلَى يَسَارِهِ، لِيَصُبَّ مِنْهُ بِهِ عَلَى يَمِينِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ الْإِنَاءُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ، بَلْ كَانَ وَاسِعًا ‏(‏فَ‏)‏ يَجْعَلُهُ ‏(‏عَنْ يَمِينِهِ‏)‏ لِيَغْتَرِفَ مِنْهُ بِهَا ‏(‏وَمَنْ وُضِّئَ أَوْ غُسِّلَ أَوْ يُمِّمَ‏)‏ بِبِنَاءِ الثَّلَاثَةِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏بِإِذْنِهِ‏)‏ أَيْ الْمَفْعُولِ بِهِ ‏(‏وَنَوَاهُ‏)‏ أَيْ الْمَفْعُولُ بِهِ‏:‏ الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ أَوْ التَّيَمُّمَ ‏(‏صَحَّ‏)‏ وُضُوءُهُ أَوْ غُسْلُهُ، أَوْ تَيَمُّمُهُ قَالَ الْمَجْدُ‏:‏ وَكُرِهَ انْتَهَى‏.‏

مُسْلِمًا كَانَ الْفَاعِلُ، أَوْ كَافِرًا لِوُجُودِ النِّيَّةِ وَالْغُسْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ وُضُوءُهُ أَوْ غُسْلُهُ أَوْ تَيَمُّمُهُ ‏(‏إنْ أُكْرِهَ فَاعِلٌ‏)‏ أَيْ مُوَضِّئٌ أَوْ مُغَسِّلٌ أَوْ مُيَمِّمٌ لِغَيْرِهِ، أَوْ صَابٌّ لِلْمَاءِ، وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي الصِّحَّةَ إذَا أُكْرِهَ الصَّابُّ، لِأَنَّ الصَّبَّ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ، فَيُشْبِهُ الِاغْتِرَافَ بِإِنَاءٍ مُحَرَّمٍ‏.‏

وَإِنْ أُكْرِهَ الْمُتَوَضِّئُ وَنَحْوُهُ عَلَى وُضُوءٍ، أَوْ عِبَادَةٍ لَفَعَلَهَا، فَإِنْ كَانَ لِدَاعِي الشَّرْعِ، لَا لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ وُضِّئَ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ‏.‏

وَلَوْ نَوَاهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِعَدَمِ الْفِعْلِ مِنْهُ أَصَالَةً وَنِيَابَةً وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِهِ‏.‏

بَابُ‏:‏ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا كَالْجُرْمُوقَيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ، وَكَذَا عِمَامَةٌ وَخِمَارٌ

‏(‏رُخْصَةٌ‏)‏ وَهِيَ لُغَةً السُّهُولَةُ، وَشَرْعًا مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ‏.‏

وَضِدُّهَا ‏(‏الْعَزِيمَةُ‏)‏، وَهِيَ لُغَةً الْقَصْدُ الْمُؤَكَّدُ‏.‏

وَشَرْعًا‏:‏ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، خَالٍ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ وَهُمَا وَصْفَانِ لِلْحُكْمِ الْوَضْعِيِّ ‏(‏وَ‏)‏ الْمَسْحُ ‏(‏أَفْضَلُ مِنْ غُسْلٍ‏)‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إنَّمَا طَلَبُوا الْأَفْضَلَ وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ‏}‏ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِأَهْلِ الْبِدْعَةِ ‏(‏وَ‏)‏ الْمَسْحُ ‏(‏يَرْفَعُ الْحَدَثَ‏)‏ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ أَشْبَهَ الْغُسْلَ‏.‏

‏(‏وَلَا يُسَنُّ أَنْ يَلْبَسَ‏)‏ خُفًّا وَنَحْوَهُ ‏(‏لِيَمْسَحَ‏)‏ عَلَيْهِ كَسَفَرِهِ لِيَتَرَخَّصَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إذَا كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ وَيَمْسَحُهُمَا إذَا كَانَتَا فِي الْخُفِّ‏"‏‏.‏

‏(‏وَكُرِهَ لُبْسٌ‏)‏ لِمَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ ‏(‏مَعَ مُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ‏)‏ أَيْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ نَصًّا لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَكْرُوهَةٌ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ فَكَذَلِكَ اللُّبْسُ الَّذِي يُرَادُ لِلصَّلَاةِ وَرَدَّهُ فِي الشَّرْحِ بِأَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَبِسَهُمَا عِنْدَ غَلَبَةِ النُّعَاسِ، وَالْفَارِقُ بَيْنَ اللُّبْسِ وَالصَّلَاةِ‏:‏ أَنَّ الصَّلَاةَ يُطْلَبُ فِيهَا الْخُشُوعُ وَاشْتِغَالُ قَلْبِهِ بِمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ يُذْهِبُ بِهِ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي اللُّبْسِ‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ الْمَسْحُ ‏(‏عَلَى خُفٍّ‏)‏ فِي رِجْلَيْهِ‏.‏

قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ‏"‏ وَقَالَ أَحْمَدُ‏:‏ لَيْسَ فِي قَلْبِي مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ شَيْءٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى‏.‏

مِنْهَا‏:‏ حَدِيثُ جَرِيرٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ‏}‏‏.‏

قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ ‏"‏ فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ ‏"‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ اسْتَنْبَطَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قِرَاءَةِ ‏"‏ أَرْجُلِكُمْ ‏"‏ بِالْجَرِّ وَحَمَلَ قِرَاءَةَ النَّصْبِ عَلَى الْغُسْلِ؛ لِئَلَّا تَخْلُوَ إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَنْ فَائِدَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ الْمَسْحُ أَيْضًا عَلَى ‏(‏جُرْمُوقٍ‏)‏ وَهُوَ ‏(‏خُفٌّ قَصِيرٌ‏)‏ وَيُسَمَّى أَيْضًا‏:‏ الْمُوقَ؛ ‏{‏لِحَدِيثِ بِلَالٍ رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَالْخِمَارِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَبِي دَاوُد ‏"‏ كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ؛ فَآتِيه بِالْمَاءِ، فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ ‏"‏ وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ بِلَالٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏امْسَحُوا عَلَى النَّصِيفِ وَالْمُوقِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ الْمَسْحُ أَيْضًا عَلَى ‏(‏جَوْرَبٍ صَفِيقِ‏)‏ نُعِلَ أَوَّلًا لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا مَنْعُولَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ النَّعْلَيْنِ‏.‏

إذْ لَا يُقَالُ‏:‏ مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ وَنَعْلِهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ‏"‏ تُرْوَى إبَاحَةُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَنْ تِسْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ وَالْبَرَاءِ، وَبِلَالٍ، وَابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ‏"‏ انْتَهَى‏.‏

وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخُفِّ إذْ هُوَ مَلْبُوسٌ سَاتِرٌ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ، أَشْبَهَ الْخُفَّ وَتَكَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ بَعْضُهُمْ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ ‏(‏وَالْجَوْرَبُ‏)‏‏:‏ غِشَاءٌ مِنْ صُوفٍ يُتَّخَذُ لِلدِّفْءِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏

وَفِي شَرْحِهِ‏:‏ وَلَعَلَّهُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُلْبَسُ فِي الرِّجْلِ عَلَى هَيْئَةِ الْخُفِّ، مِنْ غَيْرِ الْجِلْدِ ‏(‏حَتَّى لِزَمِنٍ‏)‏ لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ لِعَاهَةٍ‏.‏

فَيَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى هَذِهِ الْحَوَائِلِ كَالسَّلِيمِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى نَحْوِ خُفٍّ حَتَّى ‏(‏بِرِجْلٍ قُطِعَتْ أُخْرَاهَا مِنْ فَوْقِ فَرْضِ‏)‏ هَا فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ أَرَادَ غَسْلَهُ وَمَسْحَ حَائِلَ الْأُخْرَى لَمْ يُجْزِئْ تَعْلِيمًا لِلْغُسْلِ، لِأَنَّهُ فَرْضٌ وَاحِدٌ‏:‏ فَلَا يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى نَحْوِ الْخُفَّيْنِ ‏(‏لِمُحْرِمٍ‏)‏ ذَكَرٍ ‏(‏لَبِسَهُمَا لِحَاجَةٍ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ، كَالْمَرْأَةِ تَلْبَسُ الْعِمَامَةَ لِحَاجَةٍ وَلِأَنَّ شَرْطَ الْمَمْسُوحِ إبَاحَتُهُ مُطْلَقًا‏.‏

كَمَا يَأْتِي‏.‏

وَهُمَا لَا يُبَاحَانِ لِلْمُحْرِمِ مُطْلَقًا، بَلْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ الْمَسْحُ ‏(‏عَلَى عِمَامَةٍ‏)‏ ‏{‏لِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ‏{‏تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ‏}‏‏.‏

قَالَ التِّرْمِذِيُّ‏:‏ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَلِمُسْلِمٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ‏}‏ وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَسٌ وَأَبُو أُمَامَةَ وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى ‏(‏جَبَائِرَ‏)‏ جَمْعُ جَبِيرَةٍ‏.‏

نَحْوِ أَخْشَابٍ تَرْبُطُ عَلَى نَحْوِ كَسْرٍ‏.‏

سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا فِي صَاحِبِ الشَّجَّةِ ‏{‏إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْضُدَ، أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً وَيَمْسَحَ عَلَيْهَا‏:‏ وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ‏.‏

وَبِهِ قَالَ عُمَرُ‏:‏ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ الْمَسْحُ أَيْضًا عَلَى ‏(‏خُمُرِ نِسَاءٍ مُدَارَةً تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ‏)‏ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا‏.‏

ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏.‏

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏امْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ سَاتِرٌ يَشُقُّ نَزْعُهُ، أَشْبَهَ الْعِمَامَةَ، بِخِلَافِ الْوِقَايَةِ فَإِنَّهُ لَا يَشُقُّ نَزْعُهَا، فَتُشْبِهُ طَاقِيَّةَ الرَّجُلِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى ‏(‏‏(‏قَلَانِسَ‏)‏‏)‏ جَمْعُ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ قُلَنْسِيَةٍ‏:‏ مُبَطَّنَاتٌ تُتَّخَذُ لِلنَّوْمِ‏.‏

وَمِثْلُهَا الدَّيِّنَاتُ‏:‏ قَلَانِسُ كِبَارٌ كَانَتْ الْقُضَاةُ تَلْبَسُهَا‏.‏

قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ‏:‏ هِيَ عَلَى هَيْئَةِ مَا يَتَّخِذُهُ الصُّوفِيَّةُ الْآنَ لِأَنَّهُ مَا يَشُقُّ نَزْعُهَا فَأَشْبَهَتْ الْكَلْتَة‏:‏ شَيْء يُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ عِمَامَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى ‏(‏لَفَائِفَ‏)‏ جَمْعُ لِفَافَةٍ‏:‏ مَا يُلَفُّ مِنْ خِرَقٍ وَنَحْوِهَا عَلَى الرِّجْلِ، تَحْتَهَا نَعْلٌ أَوْ لَا‏.‏

وَلَوْ مَعَ مَشَقَّةٍ‏.‏

لِعَدَمِ وُرُودِهِ ‏(‏إلَى حَلِّ جَبِيرَةٍ‏)‏ أَيْ يَمْسَحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَنْ لَبِسَهَا إلَى حَلِّهَا لِأَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ، فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا‏.‏

وَالضَّرُورَةُ تَدْعُو إلَى مَسْحِهَا إلَى حَلِّهَا أَوْ بُرْئِهَا‏.‏

‏(‏وَلَا يَمْسَحُ فِي‏)‏ الطَّهَارَةِ ‏(‏الْكُبْرَى غَيْرَهَا‏)‏ أَيْ الْجَبِيرَةَ، لِحَدِيثِ ‏{‏صَفْوَانَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ‏}‏ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْمَسْحُ ‏(‏عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ الْجَبِيرَةِ ‏(‏عَزِيمَةٌ‏)‏ لَا رُخْصَةٌ ‏(‏فَيَجُوزُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ‏)‏ كَالتَّيَمُّمِ، أَيْ جَوَازًا مُسَاوِيًا لِلْجَوَازِ فِي سَفَرِ الطَّاعَةِ، فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ‏:‏ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ رُخْصَةٌ، وَيَجُوزُ بِهِمَا لِاخْتِلَافِ مُدَّةِ الْمَسْحِ فِيهِمَا‏.‏

‏(‏وَغَيْرُهَا‏)‏ أَيْ غَيْرُ الْجَبِيرَةِ يُمْسَحُ ‏(‏مِنْ حَدَثٍ بَعْدَ لُبْسٍ‏)‏ لَهُ ‏(‏يَوْمًا وَلَيْلَةً لِمُقِيمٍ‏)‏ وَلَوْ عَاصِيًا بِإِقَامَتِهِ كَمَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِسَفَرٍ فَأَقَامَ وَكَمُسَافِرٍ دُونَ الْمَسَافَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لِ ‏(‏عَاصٍ بِسَفَرٍ‏)‏ لِأَنَّهُ كَالْمُقِيمِ فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الرُّخَصَ ‏(‏وَثَلَاثَةَ‏)‏ أَيَّامٍ ‏(‏بِلَيَالِيِهِنَّ لِمَنْ بِسَفَرِ قَصْرٍ لَمْ يَعْصِ بِهِ‏)‏ أَيْ بِالسَّفَرِ، بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ‏.‏

وَلَوْ عَصَى فِيهِ‏.‏

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ‏}‏‏.‏

رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُقِيمُ بِالْمَسْحِ سَبْعَ صَلَوَاتٍ، وَالْمُسَافِرُ سَبْعَةَ عَشَرَ صَلَاةً، وَلَوْ مَضَى مِنْ الْمَسْحِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ أَوْ ثَلَاثٌ لِلْمُسَافِرِ وَلَمْ يَمْسَحْ، انْقَضَتْ مُدَّتُهُ، وَمَا لَمْ يُحْدِثْ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْمُدَّةِ، فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ لُبْسِهِ يَوْمًا عَلَى طَهَارَةِ اللُّبْسِ، ثُمَّ أَحْدَثَ اسْتَبَاحَ بَعْدَ الْحَدَثِ الْمُدَّةَ، وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَخَافَ النَّزْعَ، لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ تَضَرَّرَ رَفِيقُهُ بِسَفَرٍ بِانْتِظَارِهِ لَوْ اشْتَغَلَ بِنَزْعِ نَحْوِ خُفٍّ، تَيَمَّمَ، فَإِنْ مَسَحَ وَصَلَّى أَعَادَ‏.‏

‏(‏أَوْ سَافَرَ‏)‏ لَابِسُ نَحْوِ خُفٍّ ‏(‏بَعْدَ حَدَثٍ قَبْلَ مَسْحٍ‏)‏ اسْتَبَاحَ مَسْحَ مُسَافِرٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي سَفَرِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ مَسَحَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ‏)‏ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّتِهِ، أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ، إنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِلَّا خَلَعَ فِي الْحَالِ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ مَسَحَ مُقِيمًا ‏(‏أَقَلَّ مِنْ مَسْحِ مُقِيمٍ‏)‏ أَيْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ‏(‏ثُمَّ سَافَرَ‏)‏ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَسْحِ مُقِيمٍ، تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ‏.‏

‏(‏أَوْ شَكَّ‏)‏ مَاسِحٌ بِسَفَرٍ ‏(‏فِي ابْتِدَائِهِ‏)‏ أَيْ الْمَسْحِ، بِأَنْ لَمْ يَدْرِ‏:‏ أَمَسَحَ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا‏؟‏ ‏(‏لَمْ يَزِدْ عَلَى مَسْحِ مُقِيمٍ‏)‏ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ شَكَّ‏)‏ ‏(‏مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا‏)‏ ‏(‏فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ‏)‏ أَيْ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَتَوَضَّأَ ‏(‏لَمْ يَمْسَحْ‏)‏ مَا دَامَ شَاكًّا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ‏(‏فَإِنْ مَسَحَ‏)‏ مَعَ الشَّكِّ ‏(‏فَبَانَ بَقَاؤُهَا‏)‏ أَيْ الْمُدَّةِ ‏(‏صَحَّ‏)‏ وُضُوءُهُ، لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ‏.‏

وَلَا يُصَلِّي بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الْبَقَاءُ، فَإِنْ فَعَلَ إذَنْ أَعَادَ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ بَقَاؤُهَا لَمْ يَصِحَّ وُضُوءٌ‏.‏

‏(‏بِشَرْطٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ‏:‏ يَصِحُّ ‏(‏تَقَدُّمُ كَمَالِ الطَّهَارَةِ بِمَاءٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ‏:‏ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سَفَرٍ، فَأَفْرَغْت عَلَيْهِ مِنْ الْإِدَاوَةِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِأَنْزَعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ‏:‏ دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ ‏"‏ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَمْسَحُ أَحَدُنَا عَلَى الْخُفَّيْنِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

إذَا أَدْخَلَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ ‏"‏ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَفِيَ الْبَابِ غَيْرُهُ وَأَلْحَقَ بِالْخُفِّ بَاقِي الْحَوَائِلِ‏.‏

فَإِنْ لَبِسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ بِتَيَمُّمٍ لَمْ يَمْسَحْ‏.‏

لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، أَوْ غَسَلَ رِجْلًا ثُمَّ أَدْخَلَهَا إيَّاهُ أَوْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ مُحْدِثًا‏.‏

ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ دَاخِلَ الْخُفَّيْنِ، أَوْ لَبِسَهُمَا مُتَطَهِّرًا، فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ الْقَدَمُ إلَى مَوْضِعِهَا، أَوْ نَوَى جُنُبٌ رَفْعَ حَدَثِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا فِي خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَتَمَّ طَهَارَتَهُ خَلَعَ، ثُمَّ لَبِسَ قَبْلَ الْحَدَثِ، وَالْأَلَمُ يَمْسَحُ‏.‏

وَكَذَا تَفْصِيلُ عِمَامَةٍ وَنَحْوِهَا‏.‏

‏(‏وَلَوْ مَسَحَ فِيهَا عَلَى حَائِلٍ‏)‏ بِأَنْ تَوَضَّأَ وُضُوءًا كَامِلًا مَسَحَ فِيهِ عَلَى نَحْوِ جَبِيرَةٍ أَوْ عِمَامَةٍ‏.‏

ثُمَّ لَبِسَ نَحْو خُفٍّ فَلَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ رَافِعَةٌ لِلْحَدَثِ، كَاَلَّتِي لَمْ يَمْسَحْ فِيهَا عَلَى حَائِلٍ‏.‏

‏(‏أَوْ تَيَمَّمَ‏)‏ فِي طَهَارَةٍ بِمَاءِ ‏(‏الْجُرْحِ‏)‏ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ ثُمَّ لَبِسَ نَحْوَ خُفٍّ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ‏.‏

لِتَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ بِمَاءٍ فِي الْجُمْلَةِ‏.‏

‏(‏أَوْ كَانَ حَدَثُهُ‏)‏ أَيْ لَابِسُ نَحْوِ خُفٍّ ‏(‏دَائِمًا‏)‏ كَمُسْتَحَاضَةٍ وَمَنْ بِهِ سَلَسٌ، وَتَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفًّا، فَلَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ‏.‏

لِأَنَّهَا كَامِلَةٌ فِي حَقِّهِ، وَخُصُوصًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَلِأَنَّ الْمَعْذُورَ أَوْلَى بِالرُّخَصِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ‏:‏ أَنَّ الْجَبِيرَةَ كَغَيْرِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ‏.‏

فَإِذَا وَضَعَهَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ بِمَاءٍ نَزَعَهَا ‏(‏وَيَكْفِي مَنْ خَافَ‏)‏ تَلَفًا أَوْ ضَرَرًا مِنْ ‏(‏نَزْعِ جَبِيرَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا طَهَارَةٌ‏)‏ بِمَاءٍ ‏(‏تَيَمَّمَ‏)‏ عِنْدَ غَسْلِ مَا تَحْتَهَا، كَجُرْحٍ غَيْرِ مَشْدُودٍ ‏(‏فَلَوْ عَمَّتْ مَحَلَّهُ‏)‏ أَيْ التَّيَمُّمَ، وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ ‏(‏مَسَحَهَا بِالْمَاءِ‏)‏ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ التَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ بَدَلٌ عَنْ الْغُسْلِ‏.‏

فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْآخَرُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏سَتْرُ مَحَلِّ فَرْضٍ‏)‏ وَهُوَ ثَانِي الشُّرُوطِ، فَلَوْ ظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ وَجَبَ الْغُسْلُ‏.‏

وَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ، إذْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَكَمَا لَوْ غَسَلَ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ‏.‏

فَيَجِبُ غَسْلُ الْأُخْرَى‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ السَّتْرُ ‏(‏بِمُخْرَقٍ أَوْ مُفْتَقٍ وَيَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ‏)‏ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ كَوْنُهُ صَحِيحًا ‏(‏أَوْ كَانَ‏)‏ الْقَدَمُ ‏(‏يَبْدُو بَعْضُهُ‏)‏ مِنْ الْمَلْبُوسِ ‏(‏لَوْلَا شَدُّهُ‏)‏ أَيْ رَبْطُهُ ‏(‏أَوْ شَرْجُهُ‏)‏ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ، ‏(‏كَالزُّرْبُولِ‏)‏ لَهُ سَاقٌ وَعُرًى يَدْخُلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، فَيَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ‏.‏

فَيَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سَاتِرٌ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ‏.‏

أَشْبَهَ غَيْرَ ذِي الشَّرْجِ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ بِلُبْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، كَبِيرًا كَانَ الْخَرْقُ أَوْ صَغِيرًا، مِنْ مَحَلِّ الْخَرَزِ أَوْ غَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بِشَرْطِ ‏(‏ثُبُوتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَعْلَيْنِ‏)‏ وَهُوَ الثَّالِثُ، فَيَمْسَحُ عَلَيْهِ ‏(‏إلَى خَلْعِهِمَا‏)‏ مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِشَدِّهِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَيَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَسُيُورَ النَّعْلَيْنِ قَدْرَ الْوَاجِبِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ‏:‏ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ‏:‏ إجْزَاءُ الْمَسْحِ عَلَى أَحَدِهِمَا، قَدْرَ الْوَاجِبِ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بِشَرْطِ ‏(‏إمْكَانِ مَشْيٍ عُرْفًا بِمَمْسُوحٍ‏)‏ وَهُوَ الرَّابِعُ، لَا كَوْنُهُ يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ أَوْ مُعْتَادًا، فَيَصِحُّ عَلَى خُفٍّ مِنْ جِلْدٍ وَلُبَدٍ وَخَشَبٍ وَحَدِيدٍ وَزُجَاجٍ، لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ وَنَحْوِهِ، حَيْثُ أَمْكَنَ الْمَشْيُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ‏.‏

أَشْبَهَ الْجِلْدَ‏.‏

وَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى بَعْضِهَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ‏.‏

وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ الْحَاجَةِ فِي غَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بِشَرْطِ ‏(‏إبَاحَتِهِ مُطْلَقًا‏)‏ وَهُوَ الْخَامِسُ، أَيْ مَعَ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِهَا‏.‏

فَلَا يَصِحُّ عَلَى نَحْوِ مَغْصُوبٍ وَإِنْ خَافَ بِنَزْعِهِ سُقُوطَ أَصَابِعِهِ مِنْ بَرْدٍ لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ‏.‏

فَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْمَعْصِيَةِ، كَمَا لَا يَسْتَبِيحُ الْمُسَافِرُ الرُّخَصَ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ‏.‏

وَكَذَا حَرِيرٌ لِرَجُلٍ، وَمُذَهَّبٌ وَنَحْوُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بِشَرْطِ ‏(‏طَهَارَةِ عَيْنِهِ‏)‏ أَيْ الْمَمْسُوحِ‏.‏

وَهُوَ السَّادِسُ ‏(‏وَلَوْ فِي ضَرُورَةٍ‏)‏ فَلَا يَصِحُّ عَلَى نَجِسِ الْعَيْنِ خُفًّا كَانَ أَوْ جَبِيرَةً، أَوْ غَيْرَهُمَا ‏(‏وَتَيَمَّمَ‏)‏ مَنْ لَبِسَ سَاتِرًا نَجِسًا ‏(‏مَعَهَا‏)‏ أَيْ الضَّرُورَةِ بِنَزْعِهِ ‏(‏لِمَسْتُورٍ‏)‏ بِالنَّجِسِ مِنْ رِجْلَيْنِ أَوْ رَأْسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا‏.‏

فَإِنْ كَانَ طَاهِرَ الْعَيْنِ وَتَنَجَّسَ بَاطِنُهُ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَبِيحُ بِهِ مَسَّ مُصْحَفٍ لَا صَلَاةَ إلَّا بِغَسْلِهِ‏.‏

أَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ‏(‏وَيُعِيدُ مَا صَلَّى بِهِ‏)‏ أَيْ بِالنَّجِسِ، لِحَمْلِهِ النَّجَاسَةَ فِيهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بِشَرْطِ ‏(‏أَنْ لَا يَصِفَ‏)‏ نَحْوَ خُفٍّ ‏(‏الْبَشَرَةَ‏)‏ دَاخِلَهُ ‏(‏لِصَفَائِهِ أَوْ خِفَّتِهِ‏)‏ وَهُوَ السَّابِعُ، فَإِنْ وَصَفَ الْقَدَمَ لِصَفَائِهِ كَزُجَاجٍ رَقِيقٍ، أَوْ خِفَّتِهِ كَجَوْرَبٍ خَفِيفٍ‏.‏

لَمْ يَصِحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ سَاتِرٍ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ أَشْبَهَ النَّعْلَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بِشَرْطِ ‏(‏أَنْ لَا يَكُونَ وَاسِعًا يُرَى مِنْهُ بَعْضُ مَحَلِّ الْفَرْضِ‏)‏ وَهُوَ الثَّامِنُ لِأَنَّهُ غَيْرُ سَاتِرٍ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ أَشْبَهَ الْمُخَرَّقَ الَّذِي لَا يَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ ‏(‏وَإِنْ لَبِسَ‏)‏ لَابِسُ خُفٍّ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ خُفًّا ‏(‏آخَرَ، لَا بَعْدَ حَدَثٍ وَلَوْ مَعَ خَرْقِ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْخُفَّيْنِ ‏(‏صَحَّ الْمَسْحُ‏)‏ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ، لِأَنَّهُ سَاتِرٌ ثَبَتَ بِنَفْسِهِ‏.‏

أَشْبَهَ الْمُنْفَرِدَ‏.‏

وَسَوَاءٌ كَانَا صَحِيحَيْنِ أَوْ التَّحْتَانِيَّ وَحْدَهُ صَحِيحًا، لَا إنْ كَانَا مُخَرَّقَيْنِ وَلَوْ سَتَرَا‏.‏

وَإِنْ لَبِسَ الْفَوْقَانِيَّ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ‏.‏

لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنْ تَطَهَّرَ وَلَبِسَ آخَرَ بَعْدَ مَسْحِهِ الْأَوَّلَ؛ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الثَّانِي‏.‏

وَيَصِحُّ عَلَى خُفٍّ تَحْتَهُ لِفَافَةٌ ‏(‏وَإِنْ نَزَعَ‏)‏ الْخُفَّ ‏(‏الْمَمْسُوحَ لَزِمَ نَزْعُ مَا تَحْتَهُ‏)‏ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَسْحِ قَدْ زَالَ‏.‏

وَنَزْعُ إحْدَى الْخُفَّيْنِ كَنَزْعِهِمَا‏.‏

لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ مِنْ الْغُسْلِ، وَالرُّخْصَةُ تَعَلَّقَتْ بِهِمَا، فَصَارَ كَانْكِشَافِ الْقَدَمِ‏.‏

وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْفَوْقَانِيِّ وَمَسَحَ التَّحْتَانِيّ جَازَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلٌّ لِلْمَسْحِ‏.‏

كَغَسْلِ قَدَمَيْهِ فِي الْخُفِّ مَعَ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ‏.‏

وَلَوْ لَبِسَ جُرْمُوقًا فِي إحْدَى رِجْلَيْهِ وَحْدَهَا‏.‏

جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَعَلَى خُفِّ الْأُخْرَى‏.‏

وَفِي الرِّعَايَةِ‏:‏ لَوْ لَبِسَ عِمَامَتَهُ فَوْقَ عِمَامَةٍ لِحَاجَةٍ، كَبَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ، وَقَبْلَ مَسْحِ السُّفْلَى، مَسَحَ الْعُلْيَا الَّتِي بِصِفَةِ السُّفْلَى، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

كَمَا لَوْ تَرَكَ فَوْقَهَا مِنْدِيلًا أَوْ نَحْوَهُ‏.‏

‏(‏وَشَرَطَ فِي‏)‏ مَسْحِ ‏(‏عِمَامَةٍ‏)‏ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ‏.‏

أَحَدُهَا‏:‏ ‏(‏كَوْنُهَا ‏(‏مُحَنَّكَةً‏)‏‏)‏ أَيْ مُدَارًا مِنْهَا تَحْتَ الْحَنَكِ كَوْرٌ، بِفَتْحِ الْكَافِ، أَوْ كَوَرَانٌ، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا ذُؤَابَةٌ أَوْ لَا، لِأَنَّ هَذِهِ عِمَامَةُ الْعَرَبِ، وَهِيَ أَكْثَرُ سَتْرًا، وَيَشُقُّ نَزْعُهَا‏.‏

قَالَ الْقَاضِي‏:‏ سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً ‏(‏أَوْ‏)‏ كَوْنُهَا ‏(‏ذَاتَ ذُؤَابَةٍ‏)‏ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ، وَهِيَ طَرَفُ الْعِمَامَةِ الْمُرْخَى، مَجَازًا، وَأَصْلُهَا النَّاصِيَةُ، أَوْ مَنْبَتُهَا مِنْ الرَّأْسِ، وَهُوَ شَعْرٌ فِي أَعْلَى نَاصِيَةِ الْفَرَسِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُحَنَّكَةً وَلَا ذَاتَ ذُؤَابَةٍ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِي نَزْعِهَا كَالْكَلْوَتَةِ، وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ عَمَائِمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ الْمَحْكِيُّ عَنْ أَحْمَدَ الْكَرَاهَةُ، وَالْأَقْرَبُ‏:‏ أَنَّهَا كَرَاهَةٌ لَا تَرْتَقِي إلَى التَّحْرِيمِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَمْنَعُ التَّرَخُّصَ كَسَفَرِ النُّزْهَةِ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ كَذَا قَالَ ‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي كَوْنُهَا ‏(‏عَلَى ذَكَرٍ‏)‏ فَلَا تَمْسَحُ امْرَأَةٌ وَلَا خُنْثَى عِمَامَةً، وَلَوْ لِحَاجَةِ بَرْدٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏سَتْرُ‏)‏ الْعِمَامَةِ مِنْ الرَّأْسِ ‏(‏غَيْرَ مَا الْعَادَةُ كَشْفُهُ‏)‏ كَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ وَجَوَانِبِ الرَّأْسِ فَيُعْفَى عَنْهُ، بِخِلَافِ خَرْقِ الْخُفِّ لِأَنَّ هَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ، وَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ عَنْهُ‏.‏

‏(‏وَلَا يَجِبُ مَسْحُهُ‏)‏ أَيْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ ‏(‏مَعَهَا‏)‏ أَيْ مَعَ الْعِمَامَةِ، لِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْ الرَّأْسِ‏.‏

فَانْتَقَلَ الْفَرْضُ إلَيْهَا، وَتَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِهَا لَكِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ‏.‏

قَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ نَصَّ عَلَيْهِ‏.‏

‏{‏لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ‏}‏ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ ‏(‏وَيَجِبُ مَسْحُ أَكْثَرِهَا‏)‏ أَيْ أَكْثَرِ الْعِمَامَةِ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْمَمْسُوحَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ، فَأَجْزَأَ مَسْحُ بَعْضِهِ كَالْخُفِّ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ الْعِمَامَةِ قَلَنْسُوَةٌ يَظْهَرُ بَعْضُهَا، فَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَالْعِمَامَةِ الْوَاحِدَةِ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي ‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ مَسْحُ ‏(‏جَمِيع جَبِيرَةٍ‏)‏ عَلَى كَسْرٍ أَوْ جُرْحٍ‏.‏

لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد‏.‏

فِي صَاحِبِ الشَّجَّةِ ‏(‏إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً وَيَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ‏)‏ ‏(‏فَلَوْ تَعَدَّى‏)‏ أَيْ تَجَاوَزَ ‏(‏شَدُّهَا‏)‏ أَيْ الْجَبِيرَةَ ‏(‏مَحَلَّ الْحَاجَةِ‏)‏ إلَيْهَا وَهُوَ مَوْضِعُ الْكَسْرِ، أَوْ الْجُرْحِ وَمَا أَحَاطَ بِهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الشَّدُّ إلَّا بِهِ ‏(‏نَزَعَهَا‏)‏ كَمَا لَوْ شَدَّهَا عَلَى مَا لَا كَسْرَ وَلَا جُرْحَ فِيهِ إنْ لَمْ يَخَفْ تَلَفًا أَوْ ضَرَرًا‏.‏

‏(‏فَإِنْ خَافَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏تَيَمَّمَ لِزَائِدٍ‏)‏ عَلَى مَحَلِّ الْحَاجَةِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يُخَافُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِيهِ‏.‏

فَجَازَ التَّيَمُّمُ لَهُ، كَالْجُرْحِ، فَيَغْسِلُ الصَّحِيحَ، وَيَمْسَحُ مِنْ الْجَبِيرَةِ عَلَى كُلِّ مَا حَاذَى مَحَلَّ الْحَاجَةِ، وَيَتَيَمَّمُ لِزَائِدٍ ‏(‏وَدَوَاءٍ‏)‏ عَلَى الْبَدَنِ ‏(‏وَلَوْ قَارًّا فِي شِقٍّ وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ‏.‏

كَجَبِيرَةٍ‏)‏ فِي الْمَسْحِ عَلَيْهِ، إنْ وَضَعَهُ عَلَى طَهَارَةٍ، وَمَنَعَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا، وَكَذَا لَوْ تَأَلَّمَتْ أُصْبُعُهُ فَأَلْقَمَهَا مَرَارَةً، وَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى جَبِيرَةِ غَصْبٍ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ نَجِسَةٍ، وَإِذَا كَانَ بِأُصْبُعِهِ جُرْحٌ أَوْ فِصَادٌ، وَخَافَ انْدِفَاقَ الدَّمِ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ، جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، نَصًّا، ذَكَرُهُ فِي الْإِنْصَافِ مُلَخَّصًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ مَسْحُ ‏(‏أَكْثَرِ أَعْلَى خُفٍّ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَجُرْمُوقٍ وَجَوْرَبٍ، جَعْلًا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ، وَلَا يُسَنُّ اسْتِيعَابُهُ ‏(‏وَسُنَّ‏)‏ الْمَسْحُ ‏(‏بِأَصَابِعِ يَدِهِ مِنْ أَصَابِعِهِ‏)‏ أَيْ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ ‏(‏إلَى سَاقِهِ‏)‏ يَمْسَحُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى بِيَدِهِ الْيُسْرَى لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ثُمَّ ‏{‏تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْمَنِ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ أَصَابِعِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ‏}‏ رَوَاهُ الْخَلَّالُ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ‏"‏ مَسَحَ حَتَّى رُئِيَ أَثَرُ أَصَابِعِهِ عَلَى خُفَّيْهِ خُطُوطًا ‏"‏ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرِّجَ أَصَابِعَهُ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ ‏(‏وَلَا يُجْزِي‏)‏ مَسْحُ ‏(‏أَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ‏)‏ أَيْ الْخُفِّ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا‏.‏

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ قَوْلًا وَاحِدًا ‏(‏وَلَا يُسَنُّ‏)‏ مَسْحُهُمَا مَعَ أَعْلَى الْخُفِّ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ ‏"‏ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلَ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِ، وَقَدْ ‏{‏رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ ظَاهِرَ خُفَّيْهِ‏}‏‏.‏

رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ‏}‏ فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ‏:‏ إنَّهُ مَعْلُولٌ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ سَأَلْت أَبَا زُرْعَةَ وَمُحَمَّدًا عَنْهُ فَقَالَا‏:‏ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ‏:‏ إنَّهُ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ ‏(‏وَحُكْمُهُ‏)‏ أَيْ مَسْحِ الْخُفِّ ‏(‏بِإِصْبَعٍ‏)‏ فَأَكْثَرَ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِ ‏(‏حَائِلٍ‏)‏ كَخِرْقَةٍ وَخَشَبَةٍ مَبْلُولَتَيْنِ وَحُكْمُ ‏(‏غَسْلِهِ‏:‏ حُكْمُ رَأْسٍ‏)‏ فِي وُضُوءٍ‏.‏

وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجْزِي مَسْحُ الْوَاجِبِ كَيْفَ فَعَلَ وَكَذَا الْغُسْلُ مَعَ إمْرَارِ يَدِهِ، وَكَذَا إصَابَةُ مَاءٍ‏.‏

وَلَوْ مَسَحَ مِنْ سَاقِ الْخُفِّ إلَى أَصَابِعِهِ أَجْزَأَ‏.‏

‏(‏وَكُرِهَ غَسْلُ‏)‏ الْخُفِّ لِعُدُولِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ إفْسَادِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ أَيْضًا ‏(‏تَكْرَارُ مَسْحِ‏)‏ الْخُفِّ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا - اسْمُ مَصْدَرٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى غَسْلِهِ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَكَذَا يَنْبَغِي الْقَوْلُ فِي سَائِرِ مَا يَمْسَحُ‏.‏

‏(‏وَمَتَى ظَهَرَ‏)‏ بَعْدَ حَدَثٍ وَقَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةٍ مِنْ عِمَامَةٍ مَمْسُوحَةٍ ‏(‏بَعْضُ رَأْسٍ، وَفَحُشَ‏)‏ أَيْ كَثُرَ؛ اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ، فَإِنْ لَمْ يَفْحُشْ فَلَا بَأْسَ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ ظَهَرَ ‏(‏بَعْضُ قَدَمٍ‏)‏ مِنْ نَحْوِ خُفٍّ مَسَحَ عَلَيْهِ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَفْحُشْ، أَوْ خَرَجَ الْقَدَمُ ‏(‏إلَى سَاقٍ‏)‏ نَحْو ‏(‏خُفٍّ‏)‏ اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ، لِأَنَّ مَسْحَ الْعِمَامَةِ قَامَ مَقَامَ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَمَسْحُ الْخُفَّيْنِ أُقِيمَ مَقَامَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، فَإِذَا زَالَ السَّاتِرُ الَّذِي جُعِلَ بَدَلًا، بَطَلَ حُكْمُ الطَّهَارَةِ، كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ، وَلَوْ انْكَشَطَتْ ظِهَارَةُ الْخُفِّ وَبَقِيَتْ بِطَانَتُهُ، لَمْ يَضُرَّ‏.‏

‏(‏أَوْ انْتَقَضَ بَعْضُ الْعِمَامَةِ‏)‏ الْمَمْسُوحَةِ وَلَوْ كَوْرًا، اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ، لِأَنَّهُ كَنَزْعِهَا لِزَوَالِ الْمَمْسُوحِ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏أَوْ انْقَطَعَ دَمُ مُسْتَحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَمَنْ بِهِ قُرُوحٌ سَيَّالَةٌ وَكَذَا انْقِطَاعُ نَحْوِ سَلَسِ الْبَوْلِ‏.‏

اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ، لِأَنَّ طَهَارَتَهُ إنَّمَا صَحَّتْ لِلْعُذْرِ فَإِذَا زَالَ بَطَلَتْ عَلَى الْأَصْلِ‏.‏

كَمَنْ يَتَيَمَّمُ لِمَرَضٍ وَعُوفِيَ مِنْهُ ‏(‏أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّة‏)‏ أَيْ مُدَّةُ الْمَسْحِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ وُجِدَ شَيْءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ ‏(‏فِي صَلَاةٍ ‏[‏ بَطَلَتْ و‏]‏ اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ‏)‏ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ مُؤَقَّتَةٌ، فَبَطَلَتْ بِأَنَّهَا وَقْتُهَا كَخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَبَطَلَتْ فِي حَقِّ الْمُتَيَمِّمِ، وَسَوَاءٌ فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ أَوْ لَا، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ‏.‏

وَعَلَى أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي النَّقْضِ‏.‏

فَإِذَا خَلَعَ عَادَ الْحَدَثُ إلَى الْعُضْوِ الَّذِي مَسَحَ الْحَائِلَ عَنْهُ‏.‏

فَيَسْرِي إلَى بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ‏.‏

فَيَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ‏.‏

وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَنُ‏.‏

قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ‏:‏ إنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ‏(‏وَزَوَالُ جَبِيرَةٍ‏)‏ وَلَوْ لَمْ يَبْرَأْ مَا تَحْتَهَا ‏(‏ك‏)‏ زَوَالِ ‏(‏خُفٍّ‏)‏ وَكَذَا بُرْؤُهَا‏.‏

لِأَنَّ مَسْحَهَا بَدَلٌ عَنْ غُسْلِ مَا تَحْتَهَا‏.‏

وَقَالَ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ‏:‏ إلَّا أَنَّهَا إذَا مَسَحَتْ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَزَالَتْ أَجْزَأَ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ مِمَّا سَبَقَ‏.‏